تصل أمام مقهى “Agonist” في الزلقا حيث لا تتشتت لحظةً عند الباب حتى يتسارع اليك ايلي بابتسامةٍ يمدّ يده بحفاوةٍ ليسلّم عليك، يرحّب بك ويرافقك لاختيار طاولتك. وبدورها ماريا التي تأتي أيضًا تلقي عليك التحية وتساعدك في اختيار ما يحلو لك من الطعام.
فتجلس منتظرًا طعامك، تسترق النظر من حولك مأخوذًا بألوان المحلّ التي تريح الخيال تتفاجئ بسلّةٍ مليئةٍ بالأوراق المطوية يحملها لك غسان لتختار منها أجمل مقولة تعبّر عن المحبة وفرح المكان.
هذا المقهى هو عبارة عن مبادرة فردية للمعالج الفيزيائي وسيم الحاج، الموظفون هم أشخاص من ذوي الإعاقة وتتنوع اعاقاتهم: منهم من هو مصاب بمتلازمة داون Down Syndrome، منهم من هو مصاب بمتلازمة انجلمان Angelman Syndrome والبعض الآخر لديه اضطرابات عقلية Mental Disorders.
كيف بدأت فكرة “Agonist” ؟ ولم الموظفون هم من أشخاص ذوي الإعاقة؟
كوني معالج فيزيائي كنت أعمل مع أشخاص لديهم صعوبات حركيّة أو نوع من إعاقة وخلال فترة العلاج كان الكثير منهم يصل لمرحلة تحسّن هائلة ولإستقلالية فريدة. فرأيت ان لدى هؤلاء الأشخاص قدرات ولكن لم يحصل من قبل انّ احدهم قد اعطاهم حقّهم بفرصة ليبرهنوا عن قدراتهم، لذلك أردت ان احقق هذه الغاية!
تواصلت مع الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية 21 – Lebanese Down Syndrome Association وهي جمعية أهالي، كان دعمهم ملحوظ رحبوا بالفكرة كثيرًا فأجرينا تدريبًا مكثّفًا للموظفين لمدة ثلاثة أشهر. كما انّ الجمعية أمّنت النقل للموظفين الذي كان بالبدأ هاجسًا كبيرًا لديّ وخطر، لأن أغلبية الموظفين لا يمكنهم التنقل وحدهم.
كم موظّف في المقهى وكيف تتراوح ساعات العمل؟
لدينا فعليًّا ثماني موظفين من أشخاص ذوي الإعاقة وموظفان ليس لديهم إعاقة وذلك لأنه يوجد أعمال دقيقة في المطبخ، فيكون شخص قبل الظهر وشخص بعد الظهر معهم.
نفتح المقهى من الساعة السابعة صباحًا حتى الساعة الثانية عشر مساءًا.الدوامات مقسّمة حسب التزامات الموظفين وحسب قدرتهم الجسدية فتتفاوت بين اربع ساعات، خمس ساعات أو ثماني ساعات… أما الراتب فهو بعدد ساعات العمل والبخشيش يكون للجميع بالتساوي.
كيف ترى اقبال الزبائن إلى المقهى كونها فكرة غير مألوفة في لبنان؟
اقبال الزبائن كبير وتفهّمهم وتجاوبهم أيضًا لافت! هذا الشيء مهمّ جدًّا بالنسبة لي وجميل كيف يتفاعلون مع الموظفين فهدفي من هذا المشروع ان أظهر للناس هذه الصورة الإيجابية لأشخاص ذوي الإعاقة. أن أغيّر قليلًا ان استطعت بنظرة المجتمع اليهم، لديهم قدرات كبيرة جدًا ولكن نحن دائمًا ما ننظر إليهم بطريقة مغايرة للواقع ونظلمهم أحيانًا ولا نعطيهم حقهم.
ماذا تقول لأصحاب المشاريع والشركات الذين لا يطبقون القانون بتوظيف أشخاص ذوي الإعاقة؟
أقول لأصحاب المشاريع والأشخاص الذين لديهم شركات وقدرة مالية أكثر مني “حرام ما يعطوهن فرصة!”
أوّلًا أنصحهم بالمجيء لرؤيتهم كموظفين كيف هو التعامل معهم وكيف هم يتعاملون مع الزبائن بفرح فهم يحبون عملهم كثيرًا وينتظرون ساعات دوامهم كي تأتي. وأؤكد لأصحاب المشاريع على طاقتهم وقدوراتهم! فقط ان وثقنا بهم وساعدناهم قليلًا بالبيئة الهندسية الداخلية، الآمنة لهم.
ثانيًّا أصحاب المشاريع الذين فعلًا يوظفون ٣% يجب ألّا يوظّفوهم فقط في وظائف نسميها “وراء الكواليس” بل لتكون وظائفهم ظاهرة! ذات تفاعل مباشر مع الزبون بمواجهة صريحة فالزبائن ليس لديهم مشكلة كما نظنّ.
ما الرسالة التي تريد ان توجهها لصنّاع القرار في بلدنا الذين لا يطبقون قانون 2000/220 المعنى بأشخاص ذوي الإعاقة المقرّ من قبلهم ولم يصادقوا حتى الآن على إتفاقية حقوق أشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الإختياري؟
لقد حان الوقت لمصادقة إتفاقية حقوق أشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الإختياري وكما انا رأيت واختبرت ان التطبيق ليس بصعب، القليل من التعديلات لبعض الأشياء فيمكنها ان تمشي الأمور بسلاسة أكثر.
ويجب ان يكون الوعي ليس فقط من الدولة والقطاع العامّ وأجدد ندائي لرجال الأعمال في القطاع الخاصّ يمكنكم ان تعطوهم فرصة! ممكن ان تبدأ بمبادرات فردية كما انا فعلت فتنتهي بالوطن ككلّ دون مجهود كبير فقط من الدولة.