منذ دخول الإتّفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيّز التنفيذ في العام ٢٠٠٨، والتي تهدف إلى حماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي/ات الإعاقة، تعمل المنظّمات الدولية المعنية بقضايا الإعاقة جاهدة لتحقيق أهداف الإتّفاقية وتطبيق مبادئها في دول العالم أجمع، لا سيّما لجهة احترام الكرامة الإنسانية للأشخاص ذوي/ات الإعاقة، كما لجهة المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص.
لكن وعلى والرّغم من مرور كلّ تلك السنوات لا يزال واقع الأشخاص ذوي/ات “مأساوياً” على كافّة الصعد في العديد من الدول التي لم تتمكّن بالإرتقاء إلى مستوى المساواة وعدم التمييز بالنسبة لهؤلاء، فهي تتغافل عن تأمين فرص العمل التي تتناسب وإمكانياتهم/ن، كما عن تأمين البيئة الهندسية الملائمة لهم/ن، إضافة إلى أمور أساسية وبديهية تساهم في تسهيل حياتهم/ن اليومية.
إنّ مسألة تأمين تكافؤ الفرص بالنسبة للأشخاص ذوي/ات الإعاقة لا تقتصر على الأمور الحياتية الأساسية فحسب، بل إنّ مسألة عدم التمييز يجب أن تشمل مجمل الميادين وكافّة الصعد، ومنها الترفيهية والرياضية والتي نصّت عليها الاتفاقية في مادتها الـ ٣٠ حول “المشاركة في الحياة الثقافية وأنشطة الترفيه والتسلية والرياضة”.
لبنان في قلب هذا المشهد “السوداوي”، وهو من الدول التي وقّعت على الإتّفاقية لكن لم يصدّق عليها حتّى الآن، لأسباب عديدة لا مجال لسردها هنا، وبالتالي لا يحمل أيّ التزامات أمام الأمم المتّحدة في هذا المجال، إلا أنّ بعض المبادرات الفردية التي ظهرت مؤخّراً من شأنها أن تسدّ جزءاً من فراغ الدولة تجاه هذه القضايا، كما أنّ من شأنها زرع بصيص أملٍ للأشخاص ذوي/ات الإعاقة في مستقبلهم/ن الرياضي في لبنان.
إحدى المبادرات الفاعلة هي ما تقوم به “جمعية طرابلس لرياضة المعوقين”، والتي تهدف من خلال دعم رياضة كرة السلة للكراسي المتحرّكة إلى جعلها عاملَ دمجٍ وإعادة دمج وتمكين للأشخاص ذوي/ات الإعاقة الحركية من رجال وسيّدات ومن لبنانيين/ات أو مقيمين/ات، وذلك من خلال خلق آلية دعمٍ لهم/ن.
وبحسب السكرتير العام للجمعية المدرّب الدولي “توفيق علّوش” فإنّ هذه المبادرات تأتي بالإمكانيات المتاحة وبتأمين تمويل لها من خلال “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” وعبر السفارة الأميركية في لبنان وذلك نظراً للغياب التام لـ”الجنة الوطنية البارالمبية”، وفق علوّش، الذي يشير إلى غياب الدّولة عن دعم الرياضة للأشخاص ذوي/ات الإعاقة كما غيابها عن كافة الأمور الأساسية لأسباب معلومة للجميع.
علوّش وهو عضو في الهيئة التنفيذية للإتّحاد الدولي لكرة السلة للكراسي المتحرّكة وعضو هيئة منطقة “أوقياسيا” (أوقيانيا وآسيا) في الإتّحاد ورئيس لجنة التصنيف في المنطقة يلفت إلى أنّ “الجمعية تعمل من خلال مبادراتها على خلق أندية في مناطق لبنانية عدّة ومن فئات عمرية مختلفة بهدف تحضير أرضية صلبة للدوري اللبناني لكرة السلة على الكراسي المتحرّكة، حيث تمّ تأسيس فريق من النازحين السوريين وفريق لاجئين فلسطينيين، وفريق في مدينة صيدا، كما أمّنت الدعم لفريق في بيروت موجود أساساً لكنّه كان بحاجة للدعم للإستمرار، كما تمّ تأسيس فريق لجامعة “الجنان” وهو مكوّن من أشخاص أسوياء حركياً، كما دعمنا فريق الجمعية بلاعبين جدد”.
ويشير إلى أنّه “تمّ تمويل فرق مختلطة لما دون الـ ١٩ سنة بهدف التحضير لمنتخب تحت الـ٢٣ لتمثيل لبنان في بطولات دولية، كما أسسنا فريقاً أطلقنا عليه اسم “الحركة بركة” وهو مكوّن من مصابي الحرب بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس”.
ويذكّر علّوش بأنّه “جرى تنظيم أوّل بطولة دولية على مستوى محترف وهي بطولة “حنا لحود” والتي حملت اسم الشهيد في الصليب الأحمر حنا لحود الذي قضى في اليمن أثناء قيامه بواجبه الإنساني، وكانت بطولة مميّزة من حيث المشاركة والتنظيم والنتائج”.
وعن التحديات التي تواجه هكذا مبادرات، يوضح علّوش “أنّنا اعتدنا على العمل بمبالغ قليلة، كما تمكّنا من جلب ٦٠ كرسياً بأسعار مقبولة للنادي ونقوم بتقديمها للفرق التي تتدرّب، كما نعمل على مساعدة اللاعبين في تأمين الطعام والتنقل وتأمين الملابس وغيرها”.
وإذ يسلّم علّوش بغياب الدولة عن كلّ الخدمات والصعد، فإنّه يستغرب غياب المجتمع المدني، “لأنّه يحصل على تمويل لكنّه يصرف في غير مكانه ليبقى القليل الذي يصرف في مكانه الصحيح”.
وعن إمكانية تأسيس منتخب يمثّل لبنان في كرة السلة للكراسي المتحرّكة، فإنّ علّوش يؤكّد على “ضرورة إعادة الدوري اللبناني لكرة السلة للكراسي المتحرّكة”، مذكّراً بأنّه في “الأعوام ٩٧ و٩٨ و٩٩ و٢٠٠٠ كان هناك دوري من ٥ فرق، كما أن هناك دولاً أخرى لديها دوري بفرق قليل”، معرباً عن أسفه “لبعض الحجج التي يتم التذرع بها بعدم إمكانية تنظيم دوري لأن لا عدد معوّقين كافياً”.
وإذ يشدّد علوش على أهمية تصديق لبنان على الإتّفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإنّه يلفت إلى أنّ “الدولة تدرك تماماً الأعباء والمترتّبات ولكن الدولة تدرك الأعباء المادية المترتّبة على ذلك وبالتالي هي لن تبادر نحو هذه الخطوة”.
في الخلاصة، فإنّه وأمام هذا الواقع تبقى المبادرات الفردية والخاصة حبل خلاصٍ ومتنفّساً للأشخاص ذوي/ات الإعاقة على الرّغم من أنّها تبقى منقوصة أمام غياب الخدمات والحقوق الأساسية لهم/ن، حيث أنّ المسألة هي عملية متكاملة تبدأ بتأمين تكافؤ فرص في العمل والطعام والطبابة وتسهيل التنقّل وغيرها وصولاً إلى الترفيه والرياضة تحقيقاً لمبدأ المساواة وعدم التمييز. وكل ذلك لن يتُم إلاَ عبر تصديق لبنان على إتّفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.