الأشخاص المعوقون ليسوا حيوانات أليفة نعرضها في المناسبات!
توقفوا عن نعتنا بصفات ألقاب تسلبنا هويتنا وإنسانيتنا!
لو كنتم فعلا تهتمون، اذهبوا وتناولوا البيئة المعيقة، وكيف يمكن تحويلها إلى بيئة دامجة تساوي بين الجميع. اذهبوا ارصدوا قرارات الدولة وتأكدوا من اعتماد المعايير الدامجة. اذهبوا وتحققوا من تضمين كل السياسات الوطنية المعايير الدامجة. اذهبوا وارصدوا إن كانت الدولة تخصص الموازنات المطلوبة لتطبيق الدمج والاستجابة لحقوق هذه الفئة من الشعب. البيئة المعيقة ليست في غياب منحدر هنا ومصعد هناك، بل غياب الخدمات والموارد الدامجة والمهيئة للتعامل مع الجميع وخدمتهم، وهي معيقة عندما لا تكون المعلومات متاحة للوصول بعدة وسائل وعدة طرق للأشخاص حسب حاجاتهم.
نشهد هذه الأيام تنافسا بين محطات التلفزة على تنظيم حلقات خاصة بالأشخاص المعوقين، إن من خلال عرض قصصهم الناجحة لتقديمهم دائما كأبطال، أو من خلال عرض قصص حزينة عن حال الفقر والحرمان وبالتالي مساعدتهم عبر حملة مالية. فقد تكون النهاية السعيدة بتلقي الشخص المعوق مساعدة هي عبارة عن منزل وراتب شهري. جميل أن نرى حلم أحدهم يتحقق. إلا أن قصص النجاح لا تُظهر العوامل التي توفرت لتمكين الشخص من النجاح. واللافت أن عدسات الكاميرا تقترب من الوجوه لتري الرأي العام عيون الأشخاص المكفوفين، تماما مثلما يفعل المصورون في وجود كرسي متحرك، حيث يركزون على الدولاب أكثر من التركيز على الشخص نفسه. كان من الأجدى أن نرى البرامج دامجة وخالية من العوائق وأن نشاهد الأشخاص المعوقين جزءًا من المشهد العام. لذا، لم يتعرف المشاهد على تلك الأمور والمعايير التي تمكن كل فرد من العيش بكرامة في المجتمع. لم تتناول الخلل في المنظومة الاجتماعية التي أدت إلى إقصاء الأشخاص المعوقين وعزلهم. بين محطة تلفزيونية وأخرى، نشاهد عاطفة وتأثر العاملين في البرامج وحتى الضيوف. ويسجل للجميع هذا الجهد الملحوظ والجريء، لكن في الوقت نفسه، هذه الخطوات وعلى أهميتها لا تخدم المراد، ولا تحدث التغيير المطلوب. فخلاصة هذه العروض حاولت ان تقول للرأي العام أن الأشخاص المعوقين أبطال واستثنائيون، وهذا يكرس النظرة النمطية حول الأشخاص المعوقين والثقافة الخاطئة. كما أن هذه البرامج جعلت البعض يزداد شفقة على هؤلاء او يزداد إعجابا بصورة الأبطال.
في المقابل، لا يتم التطرق إلى البيئة “المعيقة” وتظهيرها ليفهم المشاهد معنى التنوع والمعايير لدامجة. فدموع طفل معوق حرم من التعليم بسبب إعاقته لم يتم التوقف عندها بل مرت بسرعة، لم تذهب الكاميرا لترينا النواقص في مبنى المدرسة وفي الجهاز التعليمي، والمنهاج والإدارة التعليمية. (كان من المفيد ذكر الـ 45000 طفل بعمر 5-14 سنة هم حاليا خارج المدرسة). لم نر تجاهل كل ذلك الذي يؤدي لإقصاء فئة كبيرة من الناس بما فيهم الأطفال المعوقين. أما الفتاة المعوقة التي تلقت هدية عبارة عن منزل لم نعرف بالأصل لماذا هي احتاجت إلى المنزل، لماذا لم تدخل مدرسة، لماذا لم تعمل. لم تخرج من بيتها طيلة حياتها إلا إلى الطبيب، لم تتمتع بحياة اجتماعية ولم تعرف ماذا يعني الجلوس بمقهى مع الأصدقاء. وغيرها من النقاط.
للإعلام دور أساسي في التأثير على الرأي العام ونظرته للأشخاص المعوقين، فعندما تنشر صورة أو مصطلح أو رسالة تتضمن الطريقة التي يستعان بالإعاقة فيها لدعم خبر، كل ذلك يسهم في تكوين انطباع لدى الرأي العام وسلوكه تجاه هذه الفئة، وبالتالي فللإعلام دور اساسي في نقل الرأي العام من المعتقدات الوهمية إلى واقع الحقيقة المجردة. هذا الجهد سيكون أفضل وأكثر جدّية لو أن المبادرين اعتمدوا المقاربة الحقوقية، التي تتطلب الالتزام بلغة وصيغة معينة. فالتعاون مع الأشخاص المعوقين في التحضير سيكون مجديًا أكثر لخدمة الدمج والمساواة.
مع تقديرنا الكبير لهذه لمحاولاتكم الطيبة، إلا أنّكم لم تفعلوا شيئا سوى تكريس النموذج الخيري والإحساني. لماذا هذا الإصرار على تقديم الشخص المعوق بهذا المنطق النمطي الموصوم بأفكار خاطئة؟ لماذا تصرون على تقديمنا بصورة الضحية أو الملهم أو القديس أو المخلوق العجيب الذي اكتشف مؤخرًا؟
نطالب بالتعاون لتنظيم ورشة عمل تبحث في كيفية الوصول للإعلام الدامج، علمًا أننا سبق وطورنا دليلا لوسائل الإعلام لكيفية التعامل مع الأشخاص المعوقين. المطلوب التعمق في حقوق الأشخاص المعوقين واحترامها. ادرسوا أصول التعامل مع الإعاقة قبل تنظيم البرامج، وادرسوا الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
متابعة حقوقنا مسار وليست ولا يجب ربطها برعاية ممول لمهرجان أو أصحاب نفوذ لديهم مؤسسة. اذهبوا وتعلموا اللغة التي تخاطبون بها الرأي العام عن الأشخاص المعوقين. الإعاقة تندرج في إطار التنوع، والدمج يجب أن يعكس هذا التنوع. والدمج شرعة الحقوق. والحقوق لكل الناس، ما معناه انه مهما اختلفت الاحتياجات الإنسانية يجب إدراجها في كل مخطط عام.
نريد إعلامًا يلتزم المقاربة الحقوقية ويعتمد ثقافة الحقوق. نريد إعلامًا يعرف كيف يدافع عن حقوق الناس ويثابر ويلاحق. نريد إعلامًا يصون الكرامات والحقوق ويدافع عنها.
الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا
مرصد حقوق الأشخاص المعوقين