على الرغم من مرور 19 سنة على صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان ولم يسلك طريقه إلى التطبيق مع الحكومات المتعاقبة، وعلى الرغم من دخول الاتفاقية الدولية بشأن حقوق الشخاص ذوي الإعاقة عامها الثالث عشر، ولا تزال تنتظر التصديق على باب المجالس النيابية المتعاقبة، ها نحن اليوم نقف بيد مدودة إلى الحكومة الحديثة الولادة، وبعين يملؤها الأمل نحو المستقبل القريب، وبخبرات تراكمت لدينا يمكنها أن تخدم الصالح العام لفئة الأشخاص المعوقين الذين تزيد نسبتهم عن 15 في المئة من السكان. نعم، تراكمت خبراتنا بحجم تراكم خيباتنا على مدى عقدين من الزمن، وبحجم الوعود التي كالها السياسيون ولم ينفّذوها، فهلمّوا بنا نصنع غدًا أفضل للشباب المعوق في لبنان، نفتح نافذة أمل في قطاع التعليم وحق الوصول إلى الأماكن والمعلومات في العمل اللائق داخل القطاعين العام والخاص. ألا ترون أنّ الفرصة مناسبة؟
فلنفكر بالشباب
شابات وشبان معوّقات ومعوّقون، بلغوا السن القانونية محرومين من أبسط الحقوق وقبلهم بلغ القانون الذي يتضمن حقوقهم السن القانونية بلا تطبيق. لا تكمن إعاقاتهم في وصفها الطبي، بل في عدم احتضان المجتمع المحلي لهم وعدم استثمار الحكومات المتعاقبة في طاقاتهم، وتذليل العقبات التي تعترض طريقهم في المدرسة والبيئة الهندسية الخارجية وفي حق التنقّل والوصول إلى الأماكن والمعلومات، وفي مكان العمل اللائق ومهماته الوظيفية. تشير الأرقام إلى واقع مزر يعيشه الأشخاص المعوقون في لبنان عمومًا وفئة الشباب منهم خصوصًا، فبناء على نتائج السنوات الثماني الأخيرة من عمل مرصد حقوق الأشخاص المعوقين، وبعد تحليل نتائج التقارير السنوية للشكاوى (2011-2018)، نجد أنّها تركّزت في أربع خانات: الحق في العمل بنسبة 35 في المئة، الصحة والطبابة والاستشفاء 26 في المئة، البيئة المجهزة والتنقل بنسبة 25 في المئة، والتربية والتعليم بنسبة 10 في المئة، أما النسبة القليلة الباقية (نحو 4 في المئة) فقد توزعت الشكاوى فيها على أبواب القانون 220/2000. ألم يئن الأوان للعمل على رفع الغبن ونحن على عتبة الـ 2020؟ ألم يئن الأوان ليكون التعويض المنطقي عن التجاهل التاريخي للحقوق بوضع استراتيجية وطنية ذات مؤشرات موضوعية محدّدة ننخرط معًا في تطبيقها؟
الحقوق الأساسيّة
أقرّت الحكومات المتعاقبة بأنّ المصادقة على الاتفاقيّة الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هو المدخل الطبيعي لوصول هذه الفئة إلى حقوقها المشروعة. وكانت قد ضمّنت حكومة “كلنا للوطن كلنا للعمل” في بيانها الوزاري ” ضمان حقوقهم عبر جملة خطوات من ضمنها إصدار المراسيم التطبيقية للقانون 220/2000 والتأكد من تطبيقه في كل مجالاته وتصديق لبنان على المعاهدة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة” (تموز 2011)، ولم تكتف بذلك، بل أعلن الرئيس نجيب ميقاتي من القصر الحكومي في شباط 2013 “لقد قررنا إعلان العام 2013 عام الالتزام بالقانون 220 ووضعه موضع التطبيق الفعلي”؛ وتضمين الحقوق في البيان الوزاري ليس جديدًا فقبل ذاك وفي بيان حكومة “الإنماء والتطوير” في كانون الأول 2009، جاء أنّه “ستعمل الحكومة على انضمام لبنان إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و البروتوكول التابع لها، وتشدد على ضرورة الاحترام الكامل لحقوق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة المنصوص عنها في القوانين اللبنانية، لا سيما القانون 220\2000، بعد إنجاز سريع لمراسيمه التطبيقية”. وذلك يفيد بأنّ المشكلة لم تكن يومًا في النصوص بل في الإرادة الجدّية لتطبيقها، وهذه الإرادة لم تتوفر يومًا.
ترابط الحقوق
ذلك وتترابط حقوق التعليم والوصول إلى الأماكن ثم العمل عضويًا في ما بينها، وهي تشكل الهاجس الأكبر لدى الأشخاص المعوقين إلى جانب الهاجس الصحيّ. فحرمان الطفل المعوّق من التعلم في مدرسة رسمية دامجة يتبعه حرمانه من جميع مراحل التعليم الأساسي والجامعي، بالإضافة إلى غياب التكييف عن المناهج وتدريب الهيئات الإدارية والتعليمية في المدارس والمهنيات والجامعات، وإحدى أبرز المشكلات تكمن في الحد من إمكانية الشخص المعوق عن التحرك باستقلالية والوصول إلى الأماكن العامة أو ذات الاستخدام العام وارتيادها على قدم المساواة مع غيره من المواطنين، سواء أكانت هذه الأماكن دوائر رسميّة أو مؤسسات تعليمية أو أماكن عمل أو مراكز اقتراع أو مرافق سياحية وترفيهيّة، بالتالي يُحرم الشخص المعوق من الحياة العامة، ويبقى رهين المنزل ويُحرم الوطن من كفاءات وقدرات نحو 15 في المئة من بناته وأبنائه ويخسر الدخل القومي هذه النسبة.
إلى العمل
إن المبادرات المدنية التي عملنا عليها خلال السنوات الماضية راكمت الكثير من الخبرات وأنتجت ملفات كنا وضعناها على مكاتب الوزراء المعنيين في العقد الأخير، واليوم نحن أمام فرصة جديدة للعمل معًا وصولًا إلى تطبيق التشريعات، ويمكننا أن نضع مسارات للتعاون عبر التالي:
• الدفع نحو التصديق على الاتفاقية الدولية وبروتوكولها المرفق، وإدراج مضامينها في مسار الارتقاء بالتشريعات المحلية لتهيئة الأرضية الملائمة لتنفيذها، فالاتفاقيّة بنظرتها الحقوقية الاجتماعية هي الدواء الشافي للمعضلات وتطبيقها يضعنا على سكّة الوصول إلى احترام التنوّع.
• وضع استراتيجية وطنيّة لتطبيق القانون 220/2000 والوصول إلى تكافؤ الفرص في المجتمع، على أن تكون ذات مؤشرات موضوعيّة مرتبطة بمهل زمنية محدّدة، وألا تضيع الجهود في آليات عمل عقيمة سبق أن جرّبت بدون نتيجة.
• إدراج المعايير الدامجة عن هيكليات الوزارات، وإداراتها، ومجالسها، وقراراتها؛ والتوعية في القطاع العام تجاه قضايا الإعاقة وحقوق وحاجات الأشخاص المعوقين. بالإضافة إلى التنسيق بين الوزارات المعنية بتطبيق القانون ومضامين الاتفاقية.
• إدراج قضايا الإعاقة على أجندات التنمية المحلية، وفي معايير الدراسات والإحصاءات العامة والاجتماعية الرسمية.
• إدراج الاحتياجات الأساسية للأشخاص المعوقين في الموازنة العامة، ما يجعل تطبيق القانون في حقوق العمل، التعليم، الصحة، والحقوق المدنية والسياسية متيسرًا، وتخصيص باب من أبواب الصرف في الموازنة لتجهيز الأماكن العامة خلال مدة زمنية محدّدة على أن يغذى بالأموال اللازمة سنويًا.
• إتاحة الوصول إلى المعلومات، واعتماد مبدأ الشفافية في البيانات التي تقدمها الوزارات، ما يتيح أمام منظمات الأشخاص المعوقين والمنظمات المدنية والحقوقية إمكانية المشاركة في العمل المثمر.
إننا نأمل أن نجد صدى لمطالبنا، خاصّة في ظل ما يتردد أنّ البقاء في الوضع الحالي ينذر بوقوع الهيكل على الجميع وبعواقب تطال الفئات الاجتماعية المهمّشة وأبرزها فئة الأشخاص المعوقين. كما نأمل كذلك أن يلاقي مجلس الوزراء مجتمعًا ثم الوزارات المعنية يدنا الممدودة للتعاون، وذلك لما فيه خير الوطن والمواطن، ولفتح باب الأمل أمام الأشخاص المعوقين في لبنان. فلننزع الثقافة البالية التي تحصر الشخص المعوق في النموذجين الطبي والرعوي، ولننطلق من روح نجاحاتنا الفردية التي تدحض تلك الثقافة، فلننطلق إلى مفردات حقوقية تغيّر اللغة السائدة القائمة على التمييز، وإلى الحلول التي ابتكرت على يد كل واحد فينا لتشكل قاعدة لمنهجة الحقوق وإدراجها في السياسات الوطنية. إنّ خبراتنا، ومواطنيتنا ومسؤوليتنا، تخولنا وتدعونا لنؤكد أن كل شيء يعنينا: السياسات الاقتصادية والاجتماعية، نظام الانتخابات، استقلالية القضاء، حرية التعبير وتمويل التنمية هي شأننا ويحق لنا العمل عليها ويحق لنا أن تلاقينا الحكومة في نصف المسافة وتأخذ بيدنا نحن مجتمع يحترم جميع أبنائه.