أن تولد في بلد يسلبك حقًا من حقوقك مع فقدانك طرفا أو حاسة، ويحجبك عن سبل العيش كالتنقل والتعلم والعمل ويفرض عليك أن تستشعر بنقص هو عيب في مجتمعك لا فيك هو أمر صعب وظالم. لكنّ التأقلم والتصالح الذاتي يزداد صعوبة متى نتجت الإعاقة عن حادثة طارئة ومفاجئة. فإنّ اكتشاف المهارات البديلة أسهل متى كانت الإعاقة منذ الولادة بحسب المتخصصين.
من المؤكد أن التحديات أمام الاشخاص ذوي الإعاقة في لبنان لا تعد ولا تحصى خصوصًا في ظل عدم إقرار المراسيم التطبيقية للقانون 200/ 2000. 18 عاما ولم يُحرّك ساكنًا في هذا الصدد. سنوات ضوئية اجتيزت في المجال العلمي والتكنولوجي لم تواكبها القوانين اللبنانية ولم ترعَ بنودها حجم التطور وما وفره من خدمات وتطبيقات أصبحت بتناول يد الاشخاص ذوي الإعاقة حركيًا، سمعيًا وبصريًا… مما غيّر وبدّل مفهوم الإعاقة.لا منفعة من أيّ معرفة إذا لم توظف في مكانها الصحيح وبمعنى آخر لا قيمة للإستثمار المعرفي إذا ما لم يشعر الشخص ذوي الإعاقة أنّ إمكانياته وطاقته ستزرع في مكانها الصحيح فتثمر إنتاجية على الصعيد الاقتصادي او في المجالات الأدبية او الفنية او العلميّة فيشعر انه عنصر أساسي فاعل ومنتج ومدعاة فخر لا عبء لبيته ومجتمعه.
مما لا شك فيه أن الإعاقة تشكلُ تحدٍ كيفما كان شكلها ونوعها أكانت إعاقة منذ الولادة أو جراء حادث سير أو حادث عمل .غير أن الصدمة التي يتعرض لها الفرد وعنصر المفاجأة الذي يطرأ على نوعية حياة المصاب باعاقة جراء حادث يفاقم الضغوطات على الصعيدين النفسي والعملي سيما انّه ليس مهيأ لخسارة شيء امتلكه سابقا وبنى حياته المهنية على أسس القدرات والمهارات التي اكتسبها طوال حياته.
منذ عامين تعرضت كريستين لحادث سير على اوتستراد جل الديب حيث انزلقت السيارة واصطدمت بحائط اسمنتي مما تسبب بخسارتها يدها اليسرى .
تبين إحصاءات جمعية اليازا إلى وقوع أكثر من 5000 جريحا وحوالي 340 قتيلا. تختلف الأسباب والعوامل وخسارة الضحايا هي النتيجة الحتميّة. كما أفادت الجمعية عن بلوغ حصيلة الضحايا خلال شهر آب وحده 52 قتيلا وحوالي 600 جريحا. وتمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور السبب الأول لوفاة الأشخاص البالغين من العمر من 15 إلى 29 سنة ولا يوجد أرقام واضحة لعدد الإصابات التي تنتج إعاقة دائمة.
” لم أفكر يوما بأن أصاب بإعاقة دائمة، احد منا لا يفكر بهذا الإحتمال. عندما علمت بالأمر كان كالصاعقة . شعرت بداية أنني مشوهة وبشعة . عانيت الأمرين لأني اتعذب نفسيًا وجسديًا ورافضة في الوقت نفسه أن اكون موضع شفقة لمن هم حولي. عدت إلى عملي في مجال الغرافيكس بعد مدة من الحادث. نعم لست بنفس مستوى الإنتاجية الذي كنت به في ما سبق ولست أخجل بالتصريح عن وضعي. كثيرًا ما أشعر أني بطيئة واسمع همسات بأني احتاج الى وقت إضافي مقارنة بزملائي. بدايةً كنت أشعر بالإهانة والحرج لكن أيقنت في نهاية المطاف اننا جميعنا نخرج من مكاتبنا وعملنا منجز”.
تعرب كريستين عن قلقها فرغم انها لم تصرف من العمل ولم تتعرض لمضايقات من مدرائها لكنها تشعر بخوف دائم من خسارتها لوظيفتها الحالية فإيجاد عمل جديد سيكون تحديًا لا يستهان به لا سيما انّ الواقع القانوني الحالي في لبنان لا يعتبر ضمانة”.
وفي هذا السياق تؤكد كريستين أن المواجهة والمطالبة بحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة هو الحل وأنها اليوم أكثر وعيًا ونضجًا، “اليوم أشعر أني أقوى بكثير وعلى كاهلي مسؤولية كبيرة فأنا كنت مثل كثر اردد شعارات رنانة كإلزامية المساواة وحصول جميع فئات المجتمع على حقوقها، شعارات أوافق عليها دون معرفتي بحجم المعضلة والغبن الذي يطال شريحة كبيرة من الشباب مثلي كبلت أيديهم وأطفئ نور الأمل في أعينهم لأن القانون لا يحمينا.
في كل عام تزهق أرواح 1.25 مليون شخص تقريباً نتيجة لحوادث المرور. ويتعرض ما بين 20 مليون و50 مليون شخص آخر لإصابات غير مميتة ويصاب العديد منهم بالعجز نتيجة لذلك حسب منظمة الصحة العالمية لعام 2018 .
كريم وهو جنسي السورية من ام لبنانية يشكي من الحرمان،” إنّ حقوقي تسلب منّي حق تلو الآخر وآخرها اعاقتي التي سلبتني ابسط حقوقي الإنسانيّة”. يقبع كريم في فراشه منذ أن سقط خلال عمله في ورشة بناء ضخمة من الطابق الخامس وتعرض لشلل نصفي ، يصرّ كريم على عدم استخدام الكرسي المتنقل، ” لن يأخذني هذا الكرسي إلى الوجهة التي أريدها، ابعد نقطة هي الشرفة. وعلى الرغم من انّ أصدقاء وأقارب كريم يزورونه بشكل دائم غير أنه يرى نفسه معزولًا وعاجزًا. ويتابع كريم لا أذكر رجل من رجالات العائلة قبع في المنزل دون عمل حتى لو كبر في السن فجدي على سبيل المثال تحول من البناء إلى الزراعة وهو في 66 من العمر” .
مرّ سنة على الحادثة، وقد تكفل صاحب المنشأة بطبابة كريم وتأمين الحياة اللائقة لعائلته . يغصُ كريم قائلًا ،” كيف ستراني ابنتي ؟ اتمنى لو كنت ازاول مهنة أو حرفة أخرى، أشعر أني بحاجة أن أخرج صباحا إلى العمل حتى ولو كان عملي بسيط جدا واستلزمني ذلك ساعات للوصول”.
كريستين وكريم يعتبران انّ العمل هو مصدرٌ لتخفيف المعاناة وتبسيط المعوقات النفسية قبل الجسديّة. فلنحصن المجتمع والمؤسسات من العنصرية والتمييز ولنعمل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية بين الجميع بمعزل عن الأفكار المنمطة.هذه الحالات تسلط الضوء على الحاجة لتسريع الجهود الدوليّة والمحلية للقضاء على الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي لذوي الإعاقة.
a
حوادث السير في لبنان وتحديات فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة
