انّ تاخر لبنان بالمصادقة على اتفاقيّة حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة وبروتوكولها الاختياري حرم الاشخاص ذوي الاعاقة الكثير من الفرص وكبّل قدرتهم على العطاء.
وتكفل هذه الاتفاقية (المادة 24 الفقرة ب) تنمية شخصية الأشخاص ذوي الإعاقة ومواهبهم وإبداعهم، فضلا عن قدراتهم العقلية والبدنية، للوصول بها إلى أقصى مدى؛
يشهد التاريخ عظماء مخترعون ومفكرون دفعوا بالجماعة البشرية نحو التطور، ولم تكن اعاقتهم الا باب اوصد امامهم فكان جوابهم ان فتحوا ابواب لا تعد ولا تحصى للعالم بأسره. وفي تاريخنا اسماء علماء وعظماء من الاشخاص ذوي الغعاقة برزت انجازاتهم ولمع اسمهم. نماذج يحتذى بها يجب ان تذكر وتعمم لأنها حقيقة جليّة على ان المجتمع اللبناني ان يتمثل بها.
بداية مع مصطفى صادق الرافعي، معجزة الأدب العربي والتي تعتبر مؤلفاته ارثا معرفيًا.هو كاتب مصري من أصل سوري ولد سنة 1298 ، و لديه أكثر من 20 مؤلفة. لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية فقد دخل الرافعى المدرسة الابتدائية في دمنهور حيث كان والده قاضيًا بها وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثمّ أصيب بمرض أقعده عدة شهور في سريره مما ادى الى فقدانه حاسة السمع نهائيا في الثلاثين من عمره. بدأ الرافعي في ميدان الشعر انصرف عنه إلى الكتابة النثرية. الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ بالجد والاجتهاد.
ولم يتفرد الرافعي بهذه الموهبة والارادة فطــه حسيــــن وهو أديب و ناقد مصري، اصيب بالرمد في عينيه في الرابعة من عمره مما أدى إلى اصابته بالعمى.أدخله أبوه لتعلم العربية و الحساب وتلاوة القرآن الكريم، فحفظه في مدة قصيرة أذهلت أستاذه ووالده. انتقل بعدها إلى الأزهر الشريف للدراسة الدينية و الاستزادة من العلوم العربية. طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي تميّز خلال دراسته العلوم العصرية و الحضارة الاسلامية فأوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيله بفرنسا فدرس الفرنسيّة و آدابها و كذلك علم النفس و التاريخ الحديث.
اما عبـــد الله البـــردونـــي وهو شاعر يمني ولد عام 1929 في قرية البردون في اليمين، أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري، درس في مدارس ذمار لمدة عشر سنوات ثمّ انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها عام 1953.عُيّن أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها وعمل مسؤولاً عن البرامج في الإذاعة اليمنية. له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات ومن دواوينه: أرض بلقيس، في طريق الفجر، زمان بلا نوعيّة و غيرها.
ستيفن هوكينغ وهو واحد من أعظم علماء الفيزياء في العصر الحديث و الحائز على اعلى منصب اكاديمي في مجال الرياضيات. طور العديد من النظريات حول طبيعة وأصل كوننا.الف عدة كتب من ابرزها كتاب “الثقب الأسود وحيوات الطفل”. وكذلك هيلين كيلر، امريكيّة مصابة بالعمى و الصمم و البكم من صغرها. تعلمت الكتابة و النطق ثم تعلمت اللغات الانجليزية و الفرنسية و الالمانية و اللاتينية ودخلت الجامعة و تخرجت ثم تفرغت للكتابة و التأليف. وفي هذا السياق لا بد من ذكر توماس أديسون العبقري صاحب أكثر من 1000 براءة اختراع .اصابته نوبة من الحمى القرمزية تركته شبه أصم. وبدلاً من التركيز على سوء حظه، اعتبر إديسون أن هذا الصمت الذي يملأ عالمه مكّنه من العمل بكل هدوء دون إلهاء. وعلى الصعيد الفني نذكر كريس بورك الذي ولد عام 1965 مصابًا بمتلازمة داون. اهتم بالافلام من صغره وبعد تخرجه عمل تطوعيًا فى أحد البرامج الخاصة ليعطى الأمل لغيره. شارك فى العديد من الأفلام ولعب دورًا خلال فيلم جسد فيه حقيقته وكأنه ينقل للناس واقعه فى عالم الأفلام ليحصل بعده على العديد من الجوائز.
هل فتح الباب في عالمنا العربي وفي لبنان امام الاشخاص ذوي الاعاقة للتوجه نحو الاختصاصات العلميّة والتطبيقيّة تحديدًا على غرار العالم ستيفن هاوكينغ، هيلين كيلر، توماس أديسون و كريس بورك…؟
وفي هذا الصدد نلحظ انّ الاشخاص ذوي الاعاقة في الشرق الذين تفوقوا اتجهوا نحو الاختصاصات الادبيّة وذلك لأن هذه المجالات ترتكز على الاجتهاد الشخصي والمبادرة الذاتيّة وتفرد الغرب بأسماء لمعت في الفيزياء والاحياء والاختراعات التكنولوجيّة. ونحن اليوم على هذا المنوال نسير فقلما نجد ان الفرص اتيحت امام الابداعات العلميّة للمعوقين . يعكس هذا الوضع الذي يمكن ملاحظته بسهولة تقصير الدولة والمراجع المختصة بتأمين مستلزمات وحاجات المعوقين .
يشهد لبنان تراجعًا في تعزيز ثقة الاشخاص ذوي الإعاقة بأنفسهم بعد ان تغافلت الدولة عن مسؤولياتها عن صقل بنيانها العمراني والانساني فغيبت الخدمات والمساعدات وتأهيل جامعاتها ارصفتها واماكن العمل …
على العلوم والمعارف ان تدفع بنا نحو التقدم والتطور الى منزلة احترام الانسان وتعزيز قدراته، صقل مواهبه وملء الثغرات والنواقص لكل فئات مجتمعه. نجد وبكل وضوح ان الواقع مغاير وبعيد عن هذه الصورة النموذجيّة .
اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تكفل تنمية المواهب والإبداع
