لا يوجد في لبنان سجون خاصة أو مؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة. وضعية السجون اللبنانية مزرية، فهي لا تزال ومنذ زمن طويل اماكن تفتقر للمعايير الدنيا في معاملة النزلاء. فمن وجوه إهتراء السجون، ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي بحق المساجين أو الموقوفين دون إستثثناء بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. فعادةَ يتم زجر النزلاء في غرفة واحدة أو قاعة كبيرة لتصبح مكتظة بعشرات الأشخاص.
يروي خالد المعاناة التي مرّ به حين تمّ توقيفه لمدة شهرين. على الرغم من أنّ بإمكانه السير على قدميه إلّا أنّه ولمدة شهرين لم يتمكن من خلع الجهاز الموصول برجله وذلك لعدم وجود مساحة للموقوفين في نفس الزنزانة، فكيف له أن يخلع الجهاز ليريح رجله؟ ويكمل خالد متكلماً عن حجم اللامبالاة لصحته التي واجهها حيث كان قد طلب الطبيب أكثر من مرّة، إلّا أنّ كل طلباته رُدت بالرفض. ويوضح خالد أنّه قضى فترة توقيفه ينام على الأرض لأنّ من لديه “واسطه” يحظى على السرير.
أمّا سليم، المقعد على كرسيٍّ متحرك، فقضى فترة سجنه بين المستشفى والسجن. فيقول “عندما دخلت النيابة العامة في بعبدا، لم أكن أتوقع أن أجد نفسي في غرفة تحت الأرض مع 40 موقوفاً وحمام واحد. فكنت أستعمل الحمام أمام الجميع وبمساعدة أحد الموقوفين”. ويكمل شارحاً إحساسه بالقول، “لم أشعر أنني إنسان آنذاك، بل تمنيت لو مت ولم أعش هذه التجربة وتمنيت الخروج من الغرفة بأي طريقة”. وبعد ذلك، تمّ نقل سليم الى سجن روميه حيث وصفه بأوتيل خمس نجوم إسوةً بالغرفة التي كان فيها. فيقول مبتسماً، “حملوني الى غرفة فيها سرير من باطون وعليها اسفنجة، وكنت أطلب الطبيب عبر “واسطة” من خارج السجن، فيمنحني إذن الخروج الى مستشفى لمدة 15 يوماً؛ وهكذا استمريت في طلب الطبيب فقضيت وقتي بين الزنزانة والمستشفى”.
نجد أنّ السجون في لبنان مجرد أبنية ومساكن كانت أجزاء من ثكنات عسكرية، تمّ بعد ذلك تحويلها بصورة سريعة إلى سجون. لذلك لم يتم فيها مراعاة المواصفات العالمية للسجون الإصلاحية في العالم وخاصةً من حيث المساحة المطلوبة لعدد السجناء وعدد الغرف الضرورية لسلامة وصحة السجناء. كما تعاني هذه الغرف من كونها غير صحيّة كعدم تعرضها لأشعة الشمس والهواء النظيف. ومن هذا المنطلق حيث أنّ هنالك آثار جسدية ونفسية وصحية يعاني منها السجين في سجون لبنان هذا وهو السجين العادي، فكيف حال السجناء من ذوي الإعاقة؟ فالأشخاص من ذوي الإعاقة يحتاجون إلى مراعاة خاصة في مجال الصحة والنظافة والمساعدة في تحركاتهم وغرفهم وطعامهم ونومهم وغيرها من الأمور الأساسية التي يجب تأمينها. ونتيجةَ للوضع الحالي المزري، عادةّ ما يشارك السجين من ذوي الإعاقة أشخاص لا يعانون من أي إعاقة، وبالتالي فقد يكون الشريك مجرماً أو متحرشاً أو مستفحلاً، وبذلك يبدأ العذاب النفسي وكذلك التنمر من قبل السجناء الآخرين أو ربما إستغلال ذوي الإعاقة جنسياً.
ولكن، لا يتم سجن جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الموقوفين في السجن؛ فأحياناً وبسبب إعاقتهم الذهنية أو النفسية، يحيلهم القضاء الى مراكز دور الرعاية المختصة. ولكن وبحسب المفكرة القانونية في عددها الصادر في 20-3-2015 تشير إلى أنّ “العلاجات المتوفرة غالباً لا تراعي حقوق الإنسان والكثير منها يستند على عقاقير مخدرة ومهدئة تفاقم وضع الشخص ذوي الإعاقة الخاضع للعلاج إضافة الى الغلو بإستعمال الصعق الكهربائي مما يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان.”
فمن الأمور البديهية التي يجب أن تتوفر لذوي الإعاقة من قبل إدارت السجون لضمان حفظ حقوقهم تزامناُ مع قضائهم فترة العقوبة المقررة بحقهم هي أن يتم أولاً تكليف مرافقين لهم من السجناء لرعايتهم مقابل أجر مادي في حال أراد احد السجناء السالمين العمل بذلك مقابل أجر شهري. كما يجب أن تراعي السجون في تصميم مباني الإصلاحيات إحتياجاتهم، وتهيئة الأماكن المناسبة لهم والمرافق داخلها، مثل المسارات الخاصة والوحدات السكنية والملاعب الرياضية وصالة الطعام ومنطقة التشميس. كذلك لا بدّ تجهيز خاص لنزلاء ذوي الإعاقه بحيث يوضع داخله سريران، له وللمرافق، مع مراعاة إرتفاعات السرير الخاص بذوي الإعاقة.
وأيضاً هناك بعض الامور التي يجب أن تثبت في السجون لرعاية ذوي الإعاقه. ومن هذه الأمور، فلا بدّ أن تعقد دورات بشكل مستمر للعاملين مع هذه الفئة داخل السجون، والتعامل معهم بصرياً وسمعياً وحركياً. إضافةً إلى ذلك، من الضروري دراسة سيكولوجية السجناء ذوي الإعاقة وتهيئتهم للدمج الإجتماعي. ومن حيث الهندسة، فمن الأساسي تصميم الأبواب بما يتناسب مع سعة وحجم عربة النقل والعمل على تصميم خاص ومناسب لدورة المياه، كما العمل على إيجاد ممرات خاصة داخل السجون والإصلاحيات لتسهيل حركة عربات السجناء ذوي الإعاقة.
كما هناك عدد من الإجراءات التي يجب اتباعها مع الأشخاص من ذوي الإعاقة داخل السجون. فيجب تصنيفهم داخل السجون إمّا باعتبارهم من الأشخاص ذوي الإعاقه الذين يستطيعون خدمة أنفسهم في الأشياء الضرورية كالأكل والتنظيف الشخصي، وخاصه كبار السن وفاقدي بعض الأطراف من جسمهم؛ أو اعتبارهم من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون خدمة أنفسهم في الأشياء الضرورية كالأكل والتنظيف الشخصي، مثل المعاقين حركياً والمصابين بشلل نصفي. ومن الأولوي أن تتكفل إدارة السجن برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وعلاجه خلال فترة محكوميته، مهما بلغ الأمر، سواء تكاليف علاجية أو مراجعات للمستشفيات الخارجية المتخصصة.
وبهذا تبرز النظرة الحديثة الى السجين الهادفة إلى إصلاح حاله جسدياً ونفسياً بدلاً من النظرة القديمة المبنيّة على فكرة الإنتقام من السجين أو النظر إليه كعدو خطير لا يستحق الرعاية طيلة وجوده في السجن. وهذه النظرة الأخيرة تلاشت واختفت في معظم دول العالم المتقدمة ولا سيّما تلك التي صادقت على الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يدرك الكل أنّ السجين يستحق كل رعاية وتأهيل ليكون عضواً مفيداً لنفسه و لمجتمعه عند خروجه من السجن.
معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة في في اماكن حجز الحرية … انتهاك مضاعف
