يعرف عن هيثم وملحم الحكيم أنهما من أصحاب القلوب البيضاء والإبتسامة البسيطة، المندفعون دوماً لمساعدة الغير، ولكن ما لا يعرفه كُثر، أن وراء الإبتسامة تلك، عيونٌ أصابها مرض “المياه الزرقاء” لكثرة البكاء، وخلف الفرح المفاجىء، ليالٍ طوال من الأرق والتوحد والإكتئاب، وخلف الهدوء الظاهر، عنف وغضب يصدر عنهما كلما صدمهما واقعهما الأليم بحقيقة فقرهم، وعدم قدرتهم على العمل للعيش بكرامة.
تروي السيدة نجاة ما عانته مع ولداها ذوي الإعاقة قائلة: “لاحظت عليهما بوادر الإعاقة عندما كانا في عمر الـ 4 سنوات، تأخرا في المشي والنطق لعمر السبع سنوات، حركاتهما ليست كباقي الأطفال، وإرتخاء في عضلات الأرجل، في حين اتسم هيثم بالبكاء المتواصل ليلاً نهاراً، أمّا ملحم فكان كثير الإنعزال”. مؤكدةً أنها “عرضتهما على عدد من الأطباء دون التوصل الى تشخيص علاجي”.
تضيف: “عندما كبرا، بات هيثم أكثر عنفاً عندما يغضب، منذ يومين كسر شباك المطبخ وسابقاً كسر وملحم تختهما، مصروفهما كبير وانا وضعي على قدّي. زوجي استشهد أثناء الحرب ولحد اليوم لم اقبض تعويض من الدولة، لدي شابين، لا يعملان، لا أحد بالأحرى يرضى أن يوظفهما، حالتنا صعبة، وحالة الشابين اللذين ناهزا الأربعين عاماً أصعب”.
وقالت: “هيثم عصبي جداً، يصيبه نوبات شديدة من البكاء على أبسط الأشياء، في فترة الأعياد رأى جيراننا يذبحون خاروفاً، ولشدة رغبته في الاحتفال بنفس الطريقة بدأ بالبكاء الهستيري، ما اضطرنا لاحقاً وبعد معاناة طويلة الى اجراء عملية المياه الزرقاء لعينه اليمنى، أمّا ملحم فهو هاديء بعض الشيء ولكنه يضل وحيداً، ارسله في بعض الأحيان الى الدكان لشراء بعض الحاجات فيبقى ساعات واقفاً في الدكان بدون أي كلمة تذكر”.
وعن سبب عدم اكتسابهم للمهارات قالت: “وُلدا في ظروف صعبة جداً، الفقر منعني، توفي والدهما وهم صغار ولدي خمسة أولاد غيرهما، لم احصل حتى على تعويض بعد استشهاد والدهم كي اعيلهم، كنت أعمل في البيوت والمدراس كعاملة منزلية كي احضر لهم الطعام والملبس، بالطبع لن أكون قادرة على ارسالهم الى مدارس خاصة بوضعهم”.
وتؤكّد “وصلتنا مساعدة من سياسي بعد حلقة تلفزيونية عرضت حالتنا منذ بضعة أشهر، أعادوا ترميم المنزل ولكن لليوم لم أحصل على حقي من الدولة، أريد فقط تعويض لأولاد الشهيد سليم الحكيم، وأريد لهذين الشابين حياة كريمة، معاش شهري لكليهما كي يعيشا بكرامة بدون إستغلال من أحد، يكفي ما عانوه في حياتهم”.
وعمّا إن حاولا العمل قالت: “عملا في سوبرماركت كتوصيل أغراض الزبائن الى سياراتهم أو منازلهم، أو تنظيف حظائر في مزرعة أو مساعدة أقاربهم في الحقل مقابل إمّا إطعامعهم أو إعطائهم بعض الطعام أو مبلغ مالي بسيط لا يتجاوز العشرة آلاف ليرة “.
لتختم: “لولدي بطاقات من الشؤون الاجتماعية تساعدنا فقط في حالات المرض، ما نطلبه هو المصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كي يحصل اولادي على حقهم في العيش الكريم”.
من جهته قال هيثم: “تمنيت منذ صغري أن أصبح ضابطاً في الجيش، اليوم أحلم فقط أن أجد عملاً كي أصرف على نفسي وعلى أخي ملحم، أحب أن اشتري له مشروبات غازية واكياس شيبس”.
اضاف: “عملت مع صاحب مسمكة، كان يعطيني فرخَي سمك عند إنتهاء العمل، لم يعطنِ مال، كنت اجد صعوبة ايضاً في العودة الى المنزل، لم اكن اجد احداً يوقف سيارته كي يأخذني معه الى البيت”.
أمّا ملحم، الهاديء المنعزل دائماً فقال: “أنا لا اعمل اساعد امي فقط في تحضير الحطب للشتاء، أو شراء أغراض من الدكان”.
هل ستتحرك الدولة اللبنانية وتصادق على إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفض الغبار عن القانون 220 الصادر عام 2000، أم ستبقى المواد حبر على ورق؟
هيثم وملحم.. شابّان غلبهما الفقر ووالدتهما تطالب بالحقوق التي كفلتها الاتفاقية الدولية
