في ظلّ عدم توقيع لبنان على الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و بروتوكولها الإختياري كان لا بدّ ان نلقي الضوء على المعاناة النفسية و الحرمان الذي يعيشونه بسبب غياب الدولة عن تأمين حقوقهم لذا كان لنا هذا الحوار مع الأخصائية في علم النفس الإجتماعي الأستاذة نسرين نجم.
بدايةً كيف تجدين وضع الاشخاص ذوي الإعاقة في لبنان في ظلّ غياب الدولة عن تأمين حقوقهم ؟
لا بدّ من التوقف عند صورة بانورامية سريعة للواقع المرير والمؤسف لأحوال الاشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، صورة تتضمن حرمانهم لأدنى حقوقهم القانونية والوظيفية والاجتماعية وهذا ليس بغريب على بلد يفتقد به الإنسان وجود دولة الرعاية الاجتماعية وفي ظل غياب شبكة الأمن والأمان الاجتماعي وتسود في بعض الأحيان فيه نظرة دونية لهم نتيجة الجهل وغياب الوعي والتثقيف الصحيح بأهمية إشراك هذه الفئة في العملية الاقتصادية.
ما هي النصائح والقواعد التي يمكن الاسترشاد بها، للمساهمة فى تخيف معاناة الاشخاص ذوي الإعاقة؟
عندما يتم تأمين ما يحتاجونه من خدمات وتطبق نصوص المواد القانونية التي تساعد الشخص ذوي الاعاقة في حياته العملية والمهنية هنا نكون قد قطعنا نصف الطريق في التخفيف من معاناتهم، وعندما نصنع ثقافة تنظر للإعاقة على انها طاقة وتعمل على تطويرها وتحسينها لتعطي أفضل ما لديها عندها نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا أيضًا في التخفيف من معاناتهم. إلى جانب الزيادة في عدد المؤسسات التي تُعنى بعلاجهم وتدريبهم وإعادة تأقلمهم وتكيفهم في الحياة.
والارشادات والنصائح لا تقع على جهة دون أخرى بل هي تحتاج إلى تضافر كل حلقات المجتمع من الأسرة إلى الحكومة. ومن النصائح الضرورية التي يمكن استخدامها مع المعوق عدم إشعاره بأنه يشكل عبئًا وثقلًا على الأسرة وعلى محيطه وتشجيعه على الاهتمام بنفسه وتحمل المسؤولية, إضافة إلى تشجيعهم على ممارسة الهوايات المختلفة والتعبير عن مواهبهم ومساعدتهم حتى تجد طريقها الصحيح، فهذا يعطى إحساس بالثقة فى النفس ويخرجهم من عزلتهم.
ما هي البرامج التدريبية المطلوبة لإدارة المدرسة والمعلمين بالمدرسة لإنجاح فكرة الدمج والتوعية بفئات الإعاقة وخصائصها وسماتها؟
إن عملية الدمج المدرسي عملية قيمة ومهمة جدًا ولكن هل المدارس اللّبنانية بشكل عام مهيئة وعلى استعداد لخوض هذه الخطوة، لا يمكن أن ننكر أن بعض المدارس ورغم قلة عددها إلا أنها استطاعت أن تنجح في عملية الدمج، وهذا يعود إلى توفر التجهيزات المادية والتربوية والبشرية لديها، ولكن أغلب المدارس لديها تقصير تجاه تلاميذها من كل النواحي خاصة أن هناك ضعفًا في بنية المؤسسة التعليمية وفي دورها وتنظيمها بشكل لا يراعي متطلّبات الدمج. إضافة إلى وجود نقص في الموارد البشرية المؤهلة وذات الكفاءة المهنية وخصوصًا في ظل غياب البيئة أو الموارد الخاصة لمساعدة المعلّمين في مهمتهم الصعبة سيما في المدارس الرسمية.
ولا تزال حتى يومنا هذا تتصارع الكثير من الاشكاليات على الساحة التربوية من ناحية: من هي الفئة التي يجب دمجها؟ كيف؟ هل يجب إيجاد صفوف في المدرسة تسمّىَ “الصفوف الموازية” أو “غرف الموارد” حيث يُفصل إليها التلميذ جزئيًا ويلقى الاهتمام اللازم والعلاج لبعض الوقت بحسب صعوباته التعلّمية؟ وهذه الاشكالية الأخيرة هي محط تساؤل من قبل المركز التربوي للبحوث والإنماء، وغيرها الكثير من الاشكاليات.
لذلك ولنكن صريحين طالما لا يوجد الاهتمام الكافي والمطلوب بالمدارس الرسمية على وجه الخصوص وفي ظل غياب النية الحقيقية للدمج لعدم توفر الامكانات المطلوبة ونقص فادح وفاضح في التجهيزات البشرية والمادية حتى هذه المعاناة تمتد على حوالي 75% من المدارس الخاصة، وبكل واقعية لا يمكن الحديث عن عملية الدمج بالطريقة الصحيحة والسليمة للأسباب التي ذكرناها سابقًا، وسيبقى الأمر محصورًا بنسبة قليلة من المدارس.
كيف تتمّ توعية التلاميذ بقضية الدمج والدور المطلوب منهم كشركاء في المجتمع، وما هي مسؤولياتهم الاجتماعية نحو الأشخاص ذوي الإعاقة؟
بالطبع الأمر مرتبط بنوع الإعاقة ليعرف كيف يتعامل الطفل معها، وعلينا مراعاة الطرفين لكي لا يشعر أي طرف بالحسرة أو بالنفور تجاه الآخر، وهذا الأمر يقترن بمدى وعي ومعرفة ونضج الكادر التعليمي الذي يؤمن بأن التربية هي رسالة انسانية وليس فقط ” ساعة للقبض ” ومدى أهلية الكادر التعليمي لإقامة توازن في الصف بين شركاء الصف، وتوعيتهم وتثقيفهم بضرورة عدم التمييز والتعاون مع الاشخاص ذوي الاعاقة.. والعمل على تكوين قناعات لدى الأطفال تعزز لديهم الجانب الإنساني وتؤكد أهمية الدمج لان الطفل لن يستفيد إذا أقصيَ عن مجتمع الأسوياء. واعتبارهم شركاء في هذه العملية التربوية الانسانية القيمة، مما يعكس أجواءً ايجابية في المجتمع ككلّ… ولكن نعود ونكرر أن عملية الدمج إما أن تتم بطريقة صحيحة لصالح الطرفين إما أن لا تتم لكي لا تزيد من حدة الأمور تفاقمًا.
ما هو دور المجتمع في التخفيف من الإضطرابات النفسية ؟
يقع على المجتمع دوراً كبيراً في رفع مستوى النضج لأفراد المجتمع في كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة معاملة لائقة ومهذبة مثل عدم التعرض لهم بالسخرية والاستهزاء و الإبتعاد عن نظرة الشفقة تجاهم، عدم التمييز، النظر إليهم كقيمة انسانية بعيدًا عن الاحباط، التعاون معهم لإظهار طاقاتهم، إفساح المجال لهم للتعبير عن ذاتهم و السعي مع الجهات المعنية لكي يحصلوا على حقوقهم.
اذا صادق لبنان على الاتفاقية وتمتع الاشخاص ذوي الاعاقة بحقوقهم، ما تأثير ذلك من الناحية النفسية و الإجتماعية؟
من أهم نتائج توقيع هذه الاتفاقية في حال تم التوقيع الأثر النفسي الايجابي للأشخاص ذوي الإعاقة وإحساسهم بأنهم يعيشون فعلًا في دولة تقدّر الانسان مما يدفعهم أكثر للعطاء ولتحقيق ذاتهم أكثر.
وما نتمناه بالفعل هو توقيع لبنان على هذه الاتفاقية التي من شأنها إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، وتلبية حاجاتهم، وتأمين مشاركتهم الكاملة في الحياة العامة في لبنان.لإن تطور أي بلد مرتبط بمدى استثماره لطاقاته البشرية والاستفادة منها بالمكان الصحيح لما فيه من خير للفرد وللمجتمع ولتفعيل العجلة الاقتصادية، نتمنى التوقيع والتنفيذ لإن لبنان وقع الكثير الكثير من الاتفاقيات ولكنها بقيت حبرُا على ورق، لذا نأمل أن يكون التوقيع على هذه الاتفاقية مرتبط بنوايا صادقة للعمل ببنودها على الأرض سيما أنها تتعلق بحقوق الانسان، مع إصدار التشريعات التي تكفل لهم حقوقهم بما يمنحهم فرصة الإندماج في المجتمع وعيش حياة لائقة، فالمجتمع الصحيح والمتوازن والعادل هو المجتمع الذي يعطي لجميع أفراده الفرصة والحق في المشاركة والإنتاجية للمساهمة في تطوره وتماسكه، ويحترم الإختلاف ولا يعاقب عليه، كما يبعد خطر تفاقم الآفات السلبية الناتجة عن التمييز السلبي.