في كل بلدان العالم تحتوي الدساتير على تشريعات وقوانين تضمن العدالة والمساواة لكل ابنائها وهذا امر طبيعي، ولكن من غير الطبيعي ان تتجاهل بعض الدول دساتيرها وتسير عكسها، وهذا التوصيف ينطبق على الدولة اللبنانية في كل ما يتعلق بحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة من رعاياها لجهة الخدمات الاساسية التي يقع على عاتقها تأمينها لهم. هذا مع العلم ان لبنان قد وقع على الشرعة العالمية لحقوق الانسان، وان دستوره ينص على احترام حقوق جميع الاشخص دون تمييز.امام غياب الدولة عن هذا الاستحاق الهام كان من الطبيعي ان يلجأ اصحاب الحقوق المنتهكة الى الجمعيات الاهلية لتامين حقوقهم. حول هذا الموضوع كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل الدولية ورئيس تجمع الهيئات الاهلية التطوعية.
ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها من اجل تحسين ظروف حياة الاشخاص ذوي الإعاقة في لبنان؟
بات من الضروري بل من الملح امام التردي الحاصل في حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة في لبنان اطلاق تيار مدني عريض يأخذ على عاتقه تحصيل حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة. ذلك ان القانون رقم 220/2000 الذي انتظرناه طويلا جاء تطبيقه متعثرا. في هذا الوقت صدرت الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة والتي تعتبر انجازا دوليا كبيرا لحركة الاعاقة في العالم والتي كان لبنان من اول الدول التي وقع عليها، ولكن مجلس النواب اللبناني لم يصادق عليها بعد لأسباب سياسية. واليوم بعد مضي اكثر من ثمانية عشر عاما على صدور القانون رقم 220 واكثر من عشر سنوات على الاتفاقية الدولية فاننا نرفع الصوت عاليا مطالبيين الدولة اللبنانية بابعاد الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة عن دائرة المهاترات السياسية. بالاضافة الى المبادرة الى اجراء تعديلات على القانون رقم 220 بشكل يتماشى مع روحية الاتفاقية الدولية من اجل تمكين هذه الفئة من المجتمع من التمتع بكافة الحقوق الانسانية اسوة بالاخرين.
ما هي النظرة الجديدة التي تقدمها الاتفاقية الدولية في موضوع حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة؟
تكمن اهمية هذه الاتفاقية في انها اول وثيقة دولية تقدم تفسيرا واضحا حول الطريقة التي يجب على البلدان من خلالها ان تفي بالتزاماتها تجاه الاشخاص ذوي الاعاقة ضمن مبدأ المساواة في الحقوق وعدم التمييز بين البشر. وهي تعزز وتحمي حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة وتوضح الالتزامات التي على الدول تجاه هذه الفئة من ابنائها، وهي عملت على تغيير النظرة التي كانت سائدة حول الاعاقة في كثير من دول العالم فبعد ان كان النموذج الرعائي هو المسيطر، والتي كانت مهمته تأمين جزء من الخدمات التي يحتاجها الاشخاص ذوي الاعاقة كالخدمات الصحية والتربوية واعادة التأهيل. ولكن مع توالي صدور الوثائق والمعاهدات الدولية التي تؤكد على حقوق الانسان تغير مفهوم الاعاقة من مفهوم رعائي الى مفهوم حقوقي وبرزت بقوة حركة دولية تدعو الى ايجاد تشريع خاص بحقوق الاشخاص المعوقين وضرورة العمل لتنفيذ ذلك فكانت الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة.
يكثر الحديث في لبنان عن عدم وجود البيئة المؤهلة ما هو رأيك؟
ما زالت مسألة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعزيز امكانية الوصول الى البيئة المؤهلة كما يسمونها عندنا في لبنان تسير ببطئ شديد او انها لا تسير ابدا، واليوم وبعد اكثر من ثمانية عشر عاما على صدور القانون 220 لم يتم اتخاذ سوى بعض الخطوات البسيطة للوصول الى البيئة المؤهلة والتي اقتصرت على بعض الاجراءات البسيطة مثل صدور كتيب حول تصاميم البيئة المؤهلة عن شركة سوليدير بالتعاون برنامج تامين حقوق الاشخاص المعوقين في وزارة الشؤؤن الاجتماعية، بالاضافة الى وجود فقرة صغيرة في قانون البناء الصادر عن عام 2004 حول التقيد بمندرجات القانون 220. كما جرت مبادرات من بعض منظمات المجتمع المدني لتأهيل بعض الارصفة والمباني الخاصة ذات الطابع العام وغالبيتها في بيروت. لكن المشكلة في ان القانون رقم 220 لم يتوسع في تعريف مفهوم البيئة المؤهلة والتي تشمل ايضا سهولة الوصول إلى المعلومات والحصول على الخدمات وسهولة التواصل مع المحيط، وصولا إلى إمكانية العيش باستقلالية.
لقد اتت الاتفاقية الدولية بحقوقها المتعددة ومواضيعها المتعددة الشاملة لكافة جوانب الحياة لتبين ثغرات كثيرة في القانون المحلي رقم 220/2000 وهي جعلت المقارنة بينها وبين الاتفاقية لصالح الاتفاقية. صحيح ان هناك قواسم مشتركة خاصة من الناحية الحقوقية، ولكن المدقق في الامور سرعان ما يكتشف ان هناك اختلاف كبير بينهما ففي حين تغطي الاتفاقية الدولية كافة الجوانب الحياتية للاشخاص ذوي الاعاقة فان القانون رقم 220 ركز على الاعاقة الجسدية، ولم يأخذ بعين الاعتبارا حاجات اخرى.
ماذا تقول في نهاية هذا الحديث؟
هناك رأي موحد تقريبا عند جميع المعنيين بان وضع الاشخاص ذوي الاعاقة في لبنان لم يعد مقبولا وانه من الضروري من القيام بخطوات كبيرة باتجاه الدفع نحو المصادقة على الاتفاقية الدولية، والتي مازال عدم المصادقة عليها حتى الان موضع تساؤل.