كفل القانون لجميع الأطفال اللبنانيين الحصول على التعليم دون تمييز، وكرّس القانون رقم 220 حق التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنّ تجميد عقود تغطية تكاليف دراسة ذوي الصعوبات التعلمية ممن بلغوا 12 عاما وما فوق، هدّد ما يزيد عن 500 طالب بالتسرب المدرسي، فهل بات حق التعلم في لبنان غير متاح للجميع؟ وهل وضع الملف “قيد الدرس” بين وزارتي الشؤون الإجتماعية والتربية هو تمهيد لإلغاء ذلك الدعم؟
من هم ذوي الصعوبات التعلمية؟
في العام 1975، عرّفت الهيئة الاستشارية الوطنية للأولاد المعوقين (NACHC)”: ذوي صعوبات التعلّم على أنّهم أولئك الأطفال الذين تظهر لديهم اضطرابات في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية كما تظهر في فهم اللغة واستعمالاتها المكتوبة والمنطوقة وفي التعبير والحساب. وليست لها علاقة بأي من الإعاقات الجسمية أو العقلية.
هؤلاء التلامذة ليسوا أقل ذكاء من أترابهم، إلا أنّ تقييم نوع الصعوبة التي يعانون منها يسمح بتحسين تلقي المهارات التعليمية لديهم وبالتالي تقدمهم ، أما تلك الصعوبات فهي: عسر القراءة-عسر الإملاء-عسر الحساب-عسر الكلام-الفرط الحركي والنقص في التركيز-عسر الذاكرة-عسر تنسيق الحركات.
تضييق الفئة المهمشة… تقليص للأصوات الضاغطة
في مطلع العام الدراسي الحالي، وبعد تحركات للأهالي وضغط من المؤسسات الرعائية، ألغت وزارة الشؤون الإجتماعية الخصم 20% الذي كان مقرراً على مخصصاتها بحجة “غياب التمويل الكافي للموازنة”، وأعادت تجديد العقود مع تلك المؤسسات، العقود التي بوفقها: ” تتكفل وزارة الشؤون الإجتماعية بتغطية نفقات التعليم والتأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة وذلك من خلال التعاقد مع مؤسسات رعائية مختصة”.
إلا أنّ الوزارة استثنت فئة الصعوبات التعلمية ممّن هم فوق ال12 عاما من هذه العقود، وردّت الأمر إلى انتقال ملفهم إلى وزارة التربية ووضعه “قيد الدّرس”… فتكون بذلك ضيّقت بيكار الفئة المحرومة من التغطية ربما لتخفيف الضغط عليها، على اعتبار أنه كلما ضاقت الفئة كلما سهل تهميشها! ولكن بأي حق يدفع من تجاوز ال12عاماً من ذوي الصعوبات ثمن “درس الملفات”؟ وماذا لو تراكمت السنوات وبقي الملف كغيره “قيد الدرس”؟
رأي الوزارة
أتى ردّ مدير عام وزارة الشؤون الإجتماعية القاضي عبد الله أحمد على استفسارنا عن الوزارة المسؤولة عن الملف على النحو التالي: “للإفادة، الملف قيد الدرس بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي”، ورمى توضيح الوزارة إلى ما معناه أنّ وزارة التربية ما زالت غير قادرة على استلام الملف كاملا وحدها في الوقت الراهن، لذا فالملف ما زال قيد “التنسيق” و”الدّرس”.
مروى بلال تروي رحلتها بين الوزارتين! : التسرب المدرسي… بيئة حاضنة للإجرام
تستهل مروى حديثها: “في العام الماضي كان إبني مسجلا في مدرسة خاصة(غير متعاقدة مع الوزارة)، أي أني كنت أدفع القسط على نفقتي الخاصة، لكنهم هذه السنة أرادوا نقله إلى قسم الدمج عندهم، الأمر الذي يكبدني دفع 8 مليون ليرة لا قدرة لديّ على تغطيتها، فعرفت أن هناك برنامجا تغطيه وزارة الشؤون، لكن ولسوء حظي، قاموا هذا العام بوقف الدعم عن من تجاوز ال12 عاماً، وقلّصوا حتى عدد المدارس المتعاقدين معها تحت هذا السن، فاتصلت حينها بعدة مدارس، لكن جميعهم لم يقبلوا تسجيل إبني لأن الوزارة لا تغطي الأقساط “.
وتكمل حديثها: “قمنا بعدها بفحص في الوزارة، شخّص طبيب إبني، هو يعاني من فرط الحركة الزائدة، و يتناول الأدوية اللازمة لحالته. في المدرسة الخاصة ما عادوا يستقبلونه، فلجأتُ لوزارة التربية لأستفسر عن المدارس الدامجة المنوطة باستقباله، هناك حوالي 8 مدارس دامجة بين بيروت وجبل لبنان، من ضمنهم مدرسة جابر الأحمد الصباح، لكن فور رؤية المديرة للتقرير الطبي لإبني أبلغتني أنها لا تستطيع تسجيله في المدرسة لأنها تُعنى بالطلاب الذين لم يتخطوا الثاني ابتدائي”.
وتضيف مروى: “فتوجهت حينها لوزارة التربية، وسألتهم عن الكادر التعليمي الذي أعلنوا عن توظيفه لغرض دمج ذوي الصعوبات التعلمية في المدارس الرسمية، فأجابوني بأنَّ النية موجودة لكن القرار مجمّد نتيجة خلط الملف بين وزارتي الشؤون والتربية، وبأن الوضع مشتت، أي أنهم لا يعرفون من سيكون الوزير الجديد، وكلٌّ يحيلها على غيره”!
وتضيف:”مدير عام التربية فادي يرق لا يملك فكرة أي فكرة عن الموضوع، حتى أنهم في وزارة التربية قالوا لي “ما إلكن إلا الشارع، هيدا الحل الوحيد اللي بيتماشى مع الوزراء عنا”.
وتلفت بلال إلى أنها والأهل المتضررين قاموا بتنظيم مجموعة تحت عنوان” ملف الصعوبات التعلمية”، انضم إليها محامون وناشطون أيضا، “جمعوا” أنفسهم وتوجهوا إلى وزير الشؤون الإجتماعية بيار أبي عاصي، وتكمل: “عرضنا عليه المشكلة، متل واحد رايح عند التاني، بدل ما تشكيلي بنعيلك”، فأخذ يبرر بأن الوزارة لا تمتلك موازنة تغطي نفقات هذه الفئة، وبأن الوزارة تَخصَّص لها حجم إنفاق محدد، ولا تستطيع تخطيه.
وتضيف:”نحن تكلمنا مع الوزير، وقلنا له بأنهم يدفعون لتلك المدارس مبالغ طائلة، أما إذا فعّلوا مشروع دمج المدارس الرسمية، فلن يكلفهم تجهيز المدارس والكادر التعليمي المختص ما يدفعونه اليوم للمدارس والمؤسسات الرعائية الخاصة، فيتحملون هم زاوية العلاج، ويتكفلون هم بزاوية التربية؟ لكنهم لا يريدون دفع ولو ليرة واحدة!”
أما عن وضع ابنها الدراسي، فتقول: ” بعد عناء طويل، استطعت تأمين مدرسة لابني، هي غير دامجة، لكنهم يعرفون كيف يدمجونه، وهو متكيف وسعيد هنا، لكني سأظل متابعةً للملف،فقد قلت للوزير أنهم يعرضون حوالي 600 طفل للتسرب المدرسي، وهم بأوج عمر المراهقة، مع من يبقون نهاراً؟ هم يسرحون في الطرقات ويتعرضون لشتى أنواع المخاطر، أي أنهم يرمونهم في بيئة حاضنة للإجرام؟” تختم بلال حديثها.
حمادة يطلق مشروع الدمج …عالوعد يا وزير
في 22 أيار 2018 أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والانماء واليونيسف، مشروع المدارس الرسمية الدامجة.
وكان وزير التربية والتعليم العالي(في حكومة تصريف الأعمال) مروان حمادة وعد بأنّ :”وزارة التربية بدأت بمشروع التعليم الدامج، الدمج في المدارس الرسمية في 30 مدرسة دامجة في كل المناطق اللبنانية”، مشيراً إلى أنَّ “الهدف هو توسيع عدد هذه المدارس لتشمل كل لبنان وتدريب المزيد من المعلمين كي تكون العناية أفضل وأرقى، بمواكبة المعاهد الفنية والتقنية كما الجامعة اللبنانية عبر كلياتها المتخصصة”.
هناك مدارس رسمية دامجة كمدرسة جابر الأحمد الصباح، وغيرها، لكنّ الخطة ما زالت في بدايتها، ويبقى التمني بتفعيلها على نطاق واسع، وعدة مستويات من كادر تعليمي، إلى تجهيز مباني المدارس ، وصولا إللى المناهج الدامجة…
يَدفعون أكثر… يُدعمون أقلّ!
ثم في نصف الطريق… “قطعتوا الحبلة فينا“!
في العام 2012 وضع المركز التربوي للبحوث والإنماء دليل المدارس الدامجة في لبنان” وفنّدها حسب المحافظات، مقسماً إياها بين مدارس خاصة دامجة، مؤسسات وجمعيات رعائية، ومراكز تعليمية، ليسهل على الأهل الوصول إليها. لكن عند بحثك عن المدارس التي تشمل الفئة العمرية ما فوق ال 12 يتقلص العدد، بعضها ليس متعاقداً مع الوزارة أصلاً، أي أنَّ المستحقات التي يدفعها لها الأهل لا تحظى بدعم وزارة الشؤون، فجميع المدارس والجمعيات التي تواصلنا معها والتي بمعظمها باهظة التكاليف، وحتى التي تُعتبر أقل كلفة من غيرها، أجمعت على أنّ قسط ذوي الصعوبات أعلى من قسط بقية التلامذة، نسبة إلى ارتفاع الخدمات الخاصة المقدمة إليهم من أساتذة تقويم نطق، أساتذة مرشدين ( (shadow teachers وغيرها من الخدمات. فهل تنظر الوزارات المعنية أقله بتغطية الفارق بين أقساط ذوي الصعوبات وبقية التلامذة، ريثما تعيد إليهم حقهم في التغطية الشاملة؟
المراكز المتخصصة بعد دوام المدرسة… حل بديل؟
هي “المكمّل” الذي يقدم خدمات تشمل تقييماً عاماً لحالة الطالب، ومتابعته إن من خلال تقويم حسي حركي، أو تربية مختصة بعد دوام المدرسة، ودورات إرشادات للأهل، كما أنّ بعض هذه المراكز يقوم بتدريب أساتذة ويتعاون مع مدارس رسمية تكريساً للدمج فيها(C.L.E.S)…
ويلفت عاملون في هذا المجال، إلى أنّ هذه المراكز يمكن أن تكون”بديلا” مؤقتاً للمدرسة الدامجة إن لم يستطع الأهل إلحاق أبنائهم بها، لكن “هذا يتوقف على حالة الطالب”، فالبعض يستطيع التأقلم مع المنهج العادي، ليأتي الدوام بعد الظهر في هذه المراكز كتعويض له عن غياب الخدمات المخصصة في المدارس الدامجة، إلا أن البعض الآخر “يحتاج مناهج أكاديمية مدرسية دامجة”. لكنّ الطلاب المستفيدين من هذه الخدمات هم عادة ممّن دون ال12 سنة، أي أن الحل الشامل، والذي يضمن لمن لم يشملهم دعم وزارة الشؤون، يتجلى بتطبيق خطة المدارس الرسمية الدامجة لتشمل كل الأعمار، وتكون تعليماً مجانياً يساوي بين الجميع!
لديهم صعوبات نعم، لكنهم يعملون بجدٍّ على تخطيها، لكن هل تتخطى وزاراتنا “صعوباتٍ” تبدأ بموازناتها، ولا تنتهي بتأمين الكادر التعليمي المختص، والمنهج الدامج…؟ وذلك إرساءً لتطبيق خطة الدمج في المدارس الرسمية وحق الجميع في التعليم؟ عسى مصادقة لبنان على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تكون ضمانةً لهذا الحقّ!