واجه الأشخاص ذوي الإعاقة الكثير من الإنتهاكات لسبب وحيد هو أنهم “مختلفون”، حيث مورست بحقّهم كافة أنواع التمييز والحرمان من حقوقهم الإنسانية الطبيعية.
وبعد التغييب الطويل لقضاياهم المحقة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة “إعلاناً” في العام 1975 يلحظ قضيّتهم، ثمّ وفي العام 2008 تمّ اعتماد “الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، والتي كرّست بشكلٍ صريح الإعتراف بموضوع الإعاقة كقضية من قضايا حقوق الإنسان وضرورة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بهذه الحقوق بشكلٍ كاملٍ ومن دون تمييز، وركّزت في مادّتها الثالثة على ضرورة المساواة، وكفلت المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع وتيسير إمكانية الوصول، كما احترام الفوارق واعتبارها جزءاً من التنوع. واعتبرت الإتفاقية أنّ عرض الحقوق يستتبع عرض الإلتزامات الواقعة على عاتق الدولة أولاً، ومنها “اعتماد تشريعات وتدابير إدارية لتعزيز حقوق الإنسان للأشخاص ذوي الإعاقة”، و”إجراء وتطوير وتشجيع الأبحاث في مجال السلع والخدمات والتكنولوجيا الميسرة لاستعمال الأشخاص ذوي الإعاقة”.
وفي هذا الإطار، يعدّ تأمين البيئة الهندسية المناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة حقاً من حقوقهم التي تساهم في تيسير حياتهم اليومية، وهي مناطة بالدولة التي من واجبها أن ترعى تأمين هذه البيئة لهم، والتي تتضمّن الطرقات، الأرصفة، المباني والمنشآت العامة والخاصة.
في لبنان، ينص القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوّقين في المادة 33 منه على أنّه “لكل شخص معوق الحق ببيئة مؤهلة، بمعنى أن حق كل شخص معوق ببيئة تخوله الوصول الى أي مكان يستطيع الوصول إليه الشخص غير المعوق.”
كما حددت المادة 36 منه، أنه يجب أن “تؤهل الأبنية والدوائر الرسمية والأرصفة والطرق والحدائق العامة وغيرها من الابنية والمنشآت والمرافق العامة وفقا لمعيير الحد الأدنى للأبنية والمنشآت.”
وفي حوار مع المهندس المعماري بشار عبدالصمد، متخصص في البيئة المبنية الدامجة وهو مسؤول الوحدة الهندسية في الاتحاد اللبناني للاشخاص المعوقين حركيا، يوضح أنّ “مجلس الوزراء اللبناني وقّع على الاتفاقية العالمية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لكنّ مجلس النواب لم يقرها، وبالتالي فلا مفاعيل قانونية لها في لبنان”.
ويذكّر عبدالصمد في حديثٍ خاص أنّ “هناك مرسوماً تطبيقياً يحمل الرقم 7194/2011 للقانون 220/2000 حول البيئة المبنية الدامجة وقد ساهم الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا بإنجازه من خلال العمل على صياغته ورفعه إلى مجلس الوزراء الذي أصدره”.
ويلفت إلى أنّ “المرسوم 7194/2011 يتناول مسألة تجهيز الأبنية والمنشآت والمرافق العامة والخاصة المعدّة للاستعمال العام وفقاً لمعايير هندسية معيّنة، ويتضمّن على سبيل المثال في أحد بنوده أنّه مقابل كلّ 20 وحدة سكنية يكون هناك وحدة سكنية مجهّزة لذوي الإعاقة”.
وعن سبب عدم تحويل هذا المرسوم إلى آليات تطبيقية، يرى أنّه “لم يكن من ضمن أولويات الحكومات المتعاقبة، كما أنّه أستنفذ الكثير من الأخذ والرد بين الدولة من جهة واتحاد الاشخاص المعوّقين والجمعيات والمنظمات المعنية بقضايا ذوي الإعاقة من جهة أخرى”.
ويخلص عبد الصمد إلى أنّ “مسألة تأمين البيئة الهندسية المناسبة لذوي الإعاقة هي نتيجة مسارٍ طويلٍ من الضغط والنضال لتأمين هذه الحقوق وهي قضية تحتاج إلى نفسٍ طويلٍ، لا سيما وأنّ هذا المرسوم غير كافٍ لكنّه خطوة في طريق الألف ميل، وبالتالي فإنّه على البلديات ونقابة المهندسين والتنظيم المدني والإدارات الرسمية التعاون في ما بينها للوصول إلى النتئاج المرجوّة”.
في الخلاصة، فإنّ البيئة المؤهلة هي حقّ من الحقوق الأساسية للشخص المعوّق، فهي تسمح له بالوصول إلى مختلف الأماكن واستخدامها باستقلالية أسوة بغيره من الأشخاص غير المعوقين، كأماكن الدراسة والعمل والإدارات الرسمية. وبالتالي، فإنّ انتهاك الحق بالبيئة المؤهلة يؤدّي غالباً إلى عدم إمكانية الحصول على الحقوق الأخرى خصوصاً التعليم والعمل، وإنّ تصديق مجلس النواب على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يجعل من تطبيق المرسوم 7194/2011 ملزماً، بالتالي يمكن البدء بمسار لا يبقي القانون 220/2000 مجرّد حبرٍ على ورق.
البيئة المؤهّلة للأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان.. مجّرد حبرٍ على ورق؟!
