“حينما تكلم ناصر بلغة عيون علي؟”، “شوارع العاصمة تحمل أسماء الانتداب الفرنسي”، “طرقات لبنان أرصفة ليست للمشاة”، و”في بلد الجنون من ينقذ العصفورية؟”، أربع من أصل مئتي مادة إخبارية أعدّها ناصر بلوط بنَفَسِ المطالبة وتحقيق الذات.
لم تتوقف تقاريره هنا بل سبق عزفه للموسيقى الاعلام بأشواط عدّة، ولم يتوقف عنده بل ينتظر الذهاب بعيداً نحو تأليف الموسيقى، ضبط إيقاع الصوت من خلال هندستها، والوقوف بعرض Stand Up Comedy بعنوان “شو يعني تكون كفيف بلبنان؟”.
“نحن ناس عاديين بكل بساطة” بهذه العبارة يعبّر بلوط عن رفضه لتمجيد المعوق لأنه مواطن عادي يمارس أعماله كغيره من الأفراد. إلا أنّ نظرة المجتمع تختلف باطنياً لهم، نتيجة للإهمال “المتراكم” بحق الاشخاص ذوي الاعاقة، الذين يبحثون عن عمل يكسبون منه لقمة عيشهم بأجر معتدل وظروف عادية. وتعدّ مهنة الاعلام واحدة من هذه المهن التي لا يتعدَ العاملين فيها من ذوي الاعاقة “أصابع اليد”.
قانون العمل بين التطبيق والمراقبة
نصّ قانون العمل 220/ 2000 في مواده 73 و 74 على شقين، الأول، يتعلق بتخصيص وظائف في القطاع العام للأشخاص ذو اعاقة بنسبة 3 % على الاقل من العدد الاجمالي للفئات والوظائف جميعها. والثاني، يٌلزم أرباب العمل في القطاع الخاص التي لا يقل عدد الاجراء فيها عن ثلاثين ولا يزيد على ستين باستخدام أجير واحد من المعوقين تتوفر فيه المؤهلات المطلوبة. بينما إذا فاق عدد الاجراء في المؤسسة ستين أجيراً، فيلزم صاحب العمل أو المؤسسة باستخدام معوقين بنسبة ثلاثة في المئة على الأقل من أجرائها تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة.
في هذا السياق، أكد مراسل “قناة الجديد” ناصر بلوط أنّ “المؤسسات الاعلامية لا تطبق هذا القانون الا بشكل جزئي”، مشيراً إلى أنّه “في حال التزمت به المؤسسة، يكون عمل الشخص ذو اعاقة محصوراً بالحديث ضمن هذا الاطار من دون الدخول في قضايا اجتماعية وسياسية وغيرها”.
الاعاقة لا تحدّ من العمل
عانى ناصر بلوط، الزميل في مهنة المصاعب، وأول مراسل كفيف في العالم العربي، صعوبات عدّة منذ دخوله مجال الاعلام عام 2013، تمثلّت في التنقل واختيار صور التقرير خلال المونتاج، إلا أنّ اندماجه في محيط العمل، ساهم في تقبله بين زملائه وتأقلمه معهم.
وحول توظيف أشخاص ذو الاعاقة في المجال الاعلامي، أكد أنّ آلية العمل غير متوازنة بينهم وبين رب العمل، فهي بدل أن تبنى على التفاهم وتكافؤ فرص، « تستغل وسائل الاعلام حالة أحد المعوقين لاستضافته في برنامج يظهره إما بصورة “البطل” وإما بصورة “المشفق”.
وأضاف أنّ “الاضاءة على مشاكلهم تنتهي مع انتهاء الحدث”، مستنكراً التقسيم الحاصل في مطالبات حركة الاعاقة التي أخذت اتجاهاً فردياً من دون متابعة.
وعن الوظائف في القطاع العام، أسف أنّ المعوقين يتخلون عن طموحهم في تحقيق ذاتهم ويستسلمون إلى وظيفة دولة في فئة منخفضة تحدّ من قدراتهم على التطور.
نعم، نجح جزء من ذوي الإعاقة من إثبات أنفسهم كأفراد من هذا المجتمع. لكن، يبقى واقع المعوقين في لبنان “حبر على ورق”: لا قانون يطبق، لا اتفاقية تصادق، لا معاهدة تنفذ، وبالرغم من كل المطالبات يبقى صوتهم في دولتهم دون صدى.