مضى لبنان على اتّقاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكأنّه لم يفعل. كغيرها من اتّفاقيّات وقوانين، قبعت الاتفاقيّة في جوارير المعنيين ولم يُصادَق عليها بعد. الهوّة تتسع، والفّرقات الاجتماعيّة تتعزّز يوميًّا مع تجاهل المعنيين أهمّيّة المُصادقة على هذه الاتّفاقيّة وما تحمله من آمال لحياة 15% من اللّبنانيين.
يحاول “الاتّحاد اللّبنانيّ للأشخاص المُعَوَّقين حركيًّا” تقديم خططٍ ومشاريع تساعد على تفعيل خطّة لتطبيق السّيّاحة الدّامجة. انطلق مشروع “السّياحة للجميع في لبنان” منذ سنتين ونصف السّنة بتمويل من الاتّحاد الأوروبيّ، وبإدارة وزارة التّنمية ضمن مشروع “أفكار 3″، وبتنفيذ من قِبَل “الاتّحاد اللّبنانيّ للأشخاص المعوّقين حركيًّا” و”الشّبكة الأوروبيّة للسّياحة الدّامجة”.
أكّدت المديرة التّنفيذيّة للبرامج في الاتّحاد اللّبنانيّ للأشخاص المعوّقين حركيًّا السّيّدة حنين الشّمالي أنّ مشروع السّياحة للجميع في لبنان يشدّد على تعزيز دور قطاع السّياحة في عمليّة التّنمية الاقتصاديّة ودمج المعوّقين في لبنان في السّياحة، وقالت:”قطاع السّياحة في لبنان أكثر القطاعات إنتاجًا. وفي عملنا على دمج المعوّقين من ناحية التّوظيف بالدّرجة الأولى يتوفّر في هذا القطاع الكثيرمن فرص العمل”. وشدّدت الشّمالي على حقّ الجميع بالسّياحة وخلق بيئة مؤهَّلة لتلبية حاجات الجميع بشكل متساوٍ كذوي الإعاقة المؤقّتة وغير المؤقّتة والمسنين وغيرهم، ممّا يضمن الحقّ بالتّرفيه للجميع.
التّجربة الأولى من نوعها
وبسؤالنا حول مدى تطبيق لبنان على اتفاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أكّدت الشّمالي أنّ أحد مطالب الاتّحاد الأساسيّة هو المصادقة على الاتفاقية، معتبرةً أنّ المعنيين مُلزمون بتطبيقها لمواكبة حقوق الإنسان. واعتبرت الشّمالي أنّ عدم تطبيق قانون رقم /2000220 الّذي ينصّ على الكثير من المواد المُتعلّقة بالصّحة والعمل والتّعليم والبيئة المؤهَّلة وغيرها. وتابعت الشّمالي قائلةً: “تجربة الدّولة في البيئة المؤهَّلة في الأماكن السّياحة صفر. تجربتنا هي الأولى من نوعها وأسميناها تجربة نموذجية تعرض نماذج لمشروع بيئة مؤهَّلة للجميع بكلفةٍ قليلة وتدرّ الرّبح. نصف الشّركات السّياحيّة الّتي تعاقدت معنا كانوا فرحين بالفكرة من ناحية عدم التّمييز بين الفئات، والرّبح المُحقّق نتيجة استقطاب عدد أكبر من فئة المعوّقين”. وأعربت الشّمالي عن تقديمهم الدّعم التّقنيّ للشّركات من خبراء وخطط لمساعدتهم على خلق بيئة مؤاتية للجميع.
مشروع Smart City
أكّدت الشّمالي أنّ لبنان يفتقد إلى محاولاتٍ لتطبيق مشروع “Smart City” أي “المدينة الذّكيّة” والتّفكير بكافّة فئات المجتمع، قائلةً:”الرّؤية السّياحيّة والجذب السّياحيّ في لبنان يكون دائمًا بالشّكل التّقليديّ”. تقول الشّمالي أنّ الـ”Smart City” هو مشروع تحقيق مدينةٍ دامجة تجذب السّيّاح وتقوم على إزالة جميع العوائق الّتي قد تهمّش جزءًا من النّاس.
يلعب هذا المشروع دورًا مهمًّا في تطوير السّيّاحة المحليّة وتحسين صورة لبنان في الخارج كبلد يعمل على مشاريع كالـ”Smart City” أي أن يُصبح بلدًا ببيئة مؤهّلة للجميع يُكسبه أيضًا من ناحية التّمويل، على حدّ قول الشّمالي الّـتي ترى أنّ طرح لبنان بلدًا دامجًا يُعزّز صورة لبنان كبلدٍ متطوّر لا يميّز بين الفئات. وأضافت: “مقارنة بين لبنان والعالم العربي، الجمعيّات اللّبنانيّة غير الحكوميّة تُعلّم الجمعيّات العربيّة ما يجب القيام به عبر تجربتنا بُغية انتشارها في الخارج”.
ومن ناحية الدّاخل تمّ إنشاء “الهيئة الوطنيّة للسّياحة الدّامجة” لدعم فكرة البيئة المؤهّلة وعدم توقّفها فور انتهاء مشروع السّياحة للجميع في لبنان. ورافق انطلاق هذه الهيئة حملةٌ إعلاميّةٌ سُمّيت بـ”توقيع إعلام بيروت”، وبدئ العمل انطلاقًا من هذه الحملة وفقًا لمعايير دوليّة، واشتمال كافّة الأطراف اجتماعيًّا واقتصاديًّا. بالإضافة إلى توفير بيئة دامجة من ناحية النّقل والخدمات وغيرها.
مخالفات للقوانين بالجُملة
لا ترى الشّمالي أنّ لبنان جاهز لإعلان مرافق سياحيّة دامجة أو حتّى أبنية جديدة مُؤهّلة للأشخاص ذوي الإعاقة كما شدّدت مراسيم صادرة مُسبقًا، قائلةً: “أُنشئت بعض المباني غير المؤهّلة والمُخالفة للقوانين في 2018 ومع ذلك تمّ بناؤها”. وشدّدت على ضرورة مُصادقة الدّولة على الاتفاقيّة ورصد موازنة للتّجهيز الهندسيّ وإلّا بذلك ستبقى كلّ المحاولات مجرّد تجارب. وتجد الشّمالي خرقًا للقانون من خلال الإدارات الرّسميّة غير المُؤهَّلة، “تناولنا هذا الموضوع خلال الانتخابات النّيابيّة، فكيف يمكن للنّاس الانتخاب والمكان غير مُجهّز؟”
بالحديث عن المرافق السّيّاحيّة، أكّدت الشّمالي عن أهمّية البدء بهذا المشروع، معتبرةً أنّ العمل لا يشمل المرافق وحدها بل المواصلات والشّواطئ والمدن، “عملنا على عدّة مناطق سياحيّة وهي سوق جبيل، شاطئ بحر صور والخيمة البحريّة، مرجة رأس العين في بعلبك الّتي تُعتبر مرجة عامّة إضافة إلى وجود مقام دينيّ على رأس بعلبك، ومحميّة أرز الشّوف”.
وجد القيّمون على المشروع تجاوبًا من قِبل البلديّات ممّا جعلهم شركاء محلّيين في المشروع. في بعلبك، قامت البلديّة بمبادرة في القلعة الجانبيّة بعد تعريفها على كيفيّة تطبيق المشروع وتصميم ممرّات خاصّة بذوي الإعاقة الحركيّة، وفي جبيل البلديّة بطور التّقديم على مشروع خاصّ بسوق جبيل لجعله مؤهّلًا بعد الانتهاء من الخرائط. في صور، ساعدت البلديّة، بالتّعاون مع خبراء من أصحاب المشروع، في تنفيذ مدخل بداية الشاطئ يساعد ذوي الإعاقة على الوصول من موقف الشّاطئ حتّى الخيم، ويبقى العمل على جعل الطريق من الخيم إلى المياه مؤهّلًا. وأضافت الشّمالي: “فسّرنا لأحد مسؤولي الخيم أهميّة الدّمج، و تبنّت إحدى الشّركات الفكرة. فقدّمنا لها الخُطط لتصميم الحمّامات الدّامجة، والطّاولات، و قائمة الطّعام. درّبنا فريق العمل، وفريق الإنقاذ”.
المُصادقة حلّ
تعتبر الشّمالي أنّ هذا المشروع هو نقطة في محاولةٍ لتنفيذ اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقول أنّ لبنان يعرّف الإعاقة بطريقة مختلفة عن الاتّفاقيّة، “المجتمع هو الّذي يعيق الشّخص المعوّق، على سبيل المثال الأشخاص المقعدين يُعاقون عبر الاكتفاء بالأدراج وعدم تصميم طرق خاصّة لهم. عندما تضع البلديّات والحكومات خططًا تضع عوائق أمام المعوّقين فهم يساهمون يإيقافهم وعرقلتهم. إذا لم تنشأ مدراس دامجة فهذا منعٌ للمعوّقين بالتعلّم”.
إنجازات وجوائز
نوّهت الشّمالي بالإنجازات الّتي حقّقها هذا المشروع منها تأسيس “الهيئة الوطنيّة للسّياحة الدّامجة”، والحملة الإعلاميّة للتّوعية في مجال السّياحة الدّامجة وازدياد اهتمام النّاس والشّركات بهذا المشروع، وتطبيق نماذج في مناطق عدّة كنشاط دامج مثل مهرجان مرجة رأس العين ومهرجان جبلنا بالشّوف. بالإضافة إلى جعل فندقٍ وبعض المطاعم دامجة في بعلبك، كما أنّ إحدى مداخل محميّة الشّوف أصبحت مؤهّلة، وفي جبيل وصور أُهّلت مراكب ملائمة لذوي الإعاقة. بالإضافة إلى توقيع بروتوكولات مع 13 شركة سياحيّة وتدريب مهنيّ للأشخاص المعوّقين لتأمين فرص عملٍ مناسبة لهم وصلت إلى حوالي 50 فرصة عمل.
وعلى الصّعيد العالميّ، شارك هذا المشروع في القمّة العالميّة الثانيّة للسّياحة الدّامجة في بروكسل في 2018 وكان الوحيد عربيًّا بين 43 دولة وأكثر من 250 مُنظّمة، كما واختير بين 63 مشروع من أصل 317 تجربة رائدة ضمن جائزة “Zero Project” في “Project Award Innovative Practice” في فيينا.