أكمل سبعة صحافيين من ذوي الإحتياجات الخاصة برنامجاً تدريبياً لمدة ثلاثة أسابيع في مقر بي بي سي في لندن ضمن مشروع “حلق عالياً”. هذا التدريب يعتبر بداية للبرنامج الرائد الذي يستمر لمدة ستة أشهر.
“حلق عالياً” هي أول مبادرة للبي بي سي خارج المملكة المتحدة أعدت بشكل خاص للصحافيين من ذوي الاحتياجات الخاصة. أطلقت المبادرة لمن يمتلك خبرة أو لديه اهتمام في المجال الصحافي من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتزويدهم بالتدريب والدعم وفرصة للعمل على انتاج مواد لبي بي سي عربي.
وقد تقدم أكثر من 300 شخص و تمكن سبعة من أصل المرشحين العشرة الناجحين من السفر إلى لندن وهم من عدة بلدان عربية. وسيتم توفير تدريب مماثل في المنطقة لمن لم يتمكن الحضور إلى المملكة المتحدة. شمل التدريب مبادئ وقيم بي بي سي التحريرية الأساسية وقوانين الإعلام و استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بأفضل شكل، بالإضافة إلى مهارات التصوير والتسجيل باستخدام الهاتف المحمول، وطريقة إنتاج البرامج.
كما التقى المتدربون كبار الصحافيين في بي بي سي عربي و ناقشوا معهم ومع مدراء في البي بي سي المشاكل والعقبات التي تواجه ذوي االاحتياجات الخاصة في بلدانهم.
وتقول رشا كشان، رئيسة تحرير التنوع والمشاريع الخاصة في بي بي سي عربي: “كان برنامج التدريب المكثف والذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع أمراً رائعاً ليس للمتدربين فقط بل لجميع المشاركين به. حيث تعلم منه المدربون ورؤساء التحرير بقدر ما تعلم منه المتدربون أنفسهم. فهم الآن يمتلكون مهارات ووسائل مهمة وجاهزة للتنفيذ خلال الأشهر الستة المقبلة، ليكشفوا عن مواهبهم وقدراتهم الصحفية في رواية القصص. ونتشوق لرؤية محتوى فريد ومبتكر في بي بي سي عربي قريباً”.
ويقول رمضان يونس، باحث أكاديمي في مجال الاعلام في مصر، ان البرنامج شكل انعطافة مميزة في مسيرته الاعلامية، اذ يمثل فرصة تمكن من خلالها من تقوية قدراته الصحفية والإعلامية، بالانتقال من العمل الصحافي الارتجالي المبني في جزء كبير منه على الموهبة، إلى العمل المبني على أسس ومناهج علمية ومهنية مؤطرة بقيم بي بي سي. “أضافت هذه التجربة لرصيدي الإنساني، كون BBC خليطا متجانسا من مجموعة من الثقافات، تبقى نموذجا مصغرا رائع للتنوع البشري، مكنتنا من الالتقاء بقامات إعلامية من مختلف الجنسيات، غاية في التواضع منحونا عصارة تجاربهم المهنية وحصاد سنينهم من الخبرة في مؤسسة إعلامية مشهود لها بالعراقة.” بحسب يونس.
بدوره قال حيدر البصير ، وهو صحافي ومراسل حربي من العراق ” هذا المشروع اضاف لي الكثير حيث تعلمت كيف تكون المهنية والاحترافية القائمة على أساس علمي سليم وليس مجرد شعارات بل أسس وقواعد تطبق وفقا لمعايير إعلامية عالمية دقيقة. كما أضاف لي البرنامج فرصة لتمكيني واستقلاليتي باعتباري امرأة وذات إعاقة بنفس الوقت ولذا كان البرنامج الفرصة التي أثبت من خلالها للجميع أن المرأة المعاقة لديها ما تضيفه وأنها من الممكن أن تثبت نفسها إن منحت الفرصة. وفي نهاية تلك السطور أود أن أشكر إدارة بي بي سي عربي لدعمها هذه الفكرة الرائدة والفعالة والجريئة وآمل أن تتعلم المؤسسات العربية من هذه التجربة وتتيح لذوي الإعاقة الفرصة حتى يكونوا فعالين في مجتمعاتهم وأن تزول عنهم الأفكار النمطية “المغلوطة.”
في الوقت الذي تشير فيه أرقام مكتب الإحصائيات العام بالمملكة المتحدة إلى أن معدل من يعملون بالمؤسسات الإعلامية البريطانية من ذوي الإعاقة لا تصل إلى واحد بالمائة، فإن تلك المعدلات في العالم العربي غير معروفة أو حتى محصورة في العديد من الدول. فعلى شاشات بي بي سي الأنجليزية وأثيرها توجد الكثير من الأسماء اللامعة من ذوي الإعاقة، مثل فرانك جاردنر، المراسل الأمني وأسعد أحمد، المذيع بتلفزيون بي بي سي لندن وجاري دونيهيو مراسل بي بي سي بواشنطن. حتى قناة الصغار Cbeebies بها الكثير من أمثلة مقدمي البرامج الذين يظهرون على الشاشة ولديهم إعاقات واضحة مثل مذيع في مقتبل العمر يرتدي سماعة تنم عن ضعف سمعه أو أخرى بيد مبتورة لم تقلل من فرصها في الظهور على الشاشة وتقديم برامج للأطفال..
لا تتوفر إحصائيات مؤكدة بعدد الصحفيين الناطقين باللغة العربية من ذوي الإعاقة، لكن مما لا شك فيه أن صحافيين موهوبين كثر في المنطقة العربية يواجهون تحديات جسام لمجرد الدخول لعالم الصحافة، ناهيك عن الظهور على الشاشات الصغيرة أو عبر الأثير إلا استثناءات تعد على أصابع اليد..
بي بي سي كواحدة من أكبر المؤسسات العالمية الناطقة بالعربية لا تخشى من الاعتراف بأنها تحتاج للمزيد من التنوع في مواهبها وجمهورها على حد سواء. لذا أطلقت سلسلة من المبادرات الداخلية لتعزيز التنوع في محتواها وأصواتها ووجوهها وأقلامها. وقامت مؤخراً بإفراد قسماً للتنوع والمشاريع الخاصة يعنى بتحقيق طموح بي بي سي في أن تكون مكاناً للجميع. الهدف من هذه المبادرة التدريبية هو منح فرصة للمواهب الصحافية الصاعدة في تنمية مهاراتها وصقل حرفيتها حتى تجد موطئ قدم في مسيرتها الإعلامية ومحطة أولى في مشوارها المهني.
سيقوم متدربو “حلق عالياً” بإنتاج محتوى فريد خاص بهم من بلدانهم، ويتضمن ذلك إنتاج فيلم وثائقي كجزء من موسم خاص بالتنوع سيعرض على شاشة بي بي سي عربي مطلع الصيف المقبل.