منذ دخول اتفاقية حول حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة حيز النفاذ في شهر اب عام 2008، ينتظر المعنيون بقضية الاعاقة في لبنان المصادقة على تلك الاتفاقية من قبل مجلس النواب الامر الذي لم يحدث حتى الان، مما يعني ان المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والانسانية لهذه الشريحة من اللبنانيين مازالت مستمرة . للوقوف اكثر حول هذه الاتفاقية وانعكاسها على وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان واسباب عدم تصديقها من قبل مجلس النواب في لبنان كان هذا الحوار مع الاستاذ” عماد الدين رائف” الناطق الاعلامي باسم “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا”، والكاتب الصحافي المتخصص في القضايا الاجتماعية.
كيف تصف الواقع العام الذي يعيشه الأشخاص المعوقون في لبنان؟
يعيش الأشخاص المعوقون، الذين يمثلون أكثر من 10 بالمئة من سكان لبنان (وفق إحصاءات مدنية)، أي ما يقارب 400 ألف مواطن (أو نحو 15 في المئة من السكان وفق البنك الدولي)، حالاً من التهميش والإقصاء محرومين من حقوقهم الأساسية، في التربية والتعليم والعمل والبيئة الهندسية الدامجة والطبابة والاستشفاء، والتأهيل وإعادة التأهيل، والحقوق المدنية والسياسية، ذلك فيما تتقدم الوزارات المعنيّة بين الحين والآخر بمبادرات محدودة الأثر محدّدة المدة ذات تمويل معيّن، وهي مبادرات موضعيّة يختفي أثرها مع انتهاء التمويل، ولا تتحول إلى إستراتيجية وطنيّة لدمج الأشخاص ذوي الإعاقات في مجتمعاتهم المحليّة.
بطبيعة الحال يوجد تشريع لبناني لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مرت عليه ثماني عشرة سنة، وهو القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، إلا أن الوزارات المعنية لم تبادر إلى استصدار المراسيم التطبيقية له، ويعود ذلك إلى أسباب منها: عدم إيجاد استراتيجية وطنيّة لتطبيق القانون 220/2000 والوصول إلى تكافؤ الفرص في المجتمع، غياب المعايير الدامجة عن هيكليات الوزارات، وإداراتها، ومجالسها، وقراراتها؛ وانعدام التوعية في القطاع العام تجاه قضايا الإعاقة وحقوق وحاجات الأشخاص المعوقين. بالإضافة إلى غياب قضايا الإعاقة عن أجندة التنمية المحلية، أو عن معايير الدراسات والإحصاءات العامة أو الاجتماعية الرسمية. ناهيك عن غياب التنسيق بين الوزارات المعنية بتطبيق القانون ما يضيع الفرص المتاحة أمام تطبيقه. وغياب الاحتياجات الأساسية للأشخاص المعوقين عن الموازنة العامة، ما يجعل تطبيق القانون في حقوق العمل، التعليم، الصحة، البيئة الدامجة، والحقوق المدنية والسياسية غير متيسر. وانتهاء بعدم إمكانية الوصول إلى المعلومات، وغياب الشفافية عن المعلومات التي تقدمها الوزارات ما يحد من قدرة منظمات الأشخاص المعوقين عن المساءلة في الزمان والمكان المناسبين، ويفتح الباب أمام تمويل المؤسسات العازلة واستمرار الوضع القائم على ما هو عليه.
ما هي الخطوات التي يجب اتباعها لحصول الأشخاص المعوقين في لبنان على حقوقهم؟
في ظل غياب تطبيق القانون 220/2000، والمصادقة على الاتفاقية الدولية وبروتوكولها المرفق، تسعى منظمات الأشخاص المعوقين بشتى السبل لتقديم نماذج رائدة عن إمكانية تحقق الدمج الاقتصادي والاجتماعي للأشخاص المعوقين في لبنان، وقد قدمت هذه النماذج إلى الوزرات المعنية غير مرة خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، إلا أنّ تجاوب الوزرات كان محدودًا جدًا. وقد أثبتت التجربة أن الوزارات المعنية متى ما تجاوبت من الممكن تحقيق تقدم في حصول الشخاص المعوقين على حقوقهم. على سبيل المثال، عندما تولى الوزير زياد بارود مسؤولية وزارة الداخلية، استطاعت “حملة حقي – الحملة الوطنية لإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين” أن تدرج مادتين في القانون الانتخابي 25/2008 المعدل بموجب القانون 59/2009، وأن تجري مسحًا شاملًا لأقلام الاقتراع على جميع الأراضي اللبنانية أثبت عدم احترام التجهيز الهندسي الملائم، بالإضافة إلى استصدار المرسوم التطبيقي 2214/2009 الخاص بتسهيل عملية اقتراع الشخاص المعوقين، وتجهيز 25 مركز اقتراع بمواصفات هندسية مقبولة بالتعاون مع الوزارة. وبمجرد أن يتغير الوزير تختفي الإنجازات وتبقى التعاميم حبرًا على ورق كما شهدنا في الانتخابات الأخيرة.
أما على الصعيد الدولي، فتبقى المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان الخاصة بلبنان المنبر الهم لإيصال الصوت، وكانت قد استكملت أثناء الجلسة العامة لمجلس حقوق الإنسان في دورته الحادية والثلاثين، التي انعقدت في آذار/ مارس 2016، وتبنى المجلس في الجلسة نتائج المراجعة الثانية، التي تلقى لبنان خلالها 219 توصية، قبِل 128 منها ورفض 91 توصية. أما التوصيات المتعلقة بقضايا الإعاقة والتي وافق عليها لبنان، فلا يزال أبرزها يدور منذ العام 2010، حول التصديق على الاتفاقية الدولية وبروتوكولها الاختياري المرفق، وبالتالي استحداث استراتيجية وطنيّة لتنفيذ مضامين هذه الاتفاقية.
لماذا لم يصادق لبنان على الاتفاقية الدولية وبروتوكولها الاختياري؟
يتقاعس البرلمان اللبناني عن التصديق على الاتفاقيّة الدولية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بعد نحو 12 سنة على صدورها في العام 2006، على الرغم من أنّ الحكومة اللبنانية كانت قد وافقت عليها في حزيران/ يونيو 2007، ورفعتها إلى البرلمان في حينه ضمن رزمة من مشاريع القوانين، إلا أنّ الخلاف السياسي بين أقطاب السلطة حرم الأشخاص المعوقين في لبنان ومنظماتهم، من آليات الرصد والمتابعة التي تمنحهم إياها الاتفاقية وبروتوكولها المرفق. وبقيت الوعود التي أغدقتها اللجان النيابية لحقوق الإنسان مجرد وعود، فلا قرار سياسيًا بالتصديق على الاتفاقية، وكل ما قيل عن الأسباب لا يعدو كونه كلامًا فارغًا من أي معنى.
ما هي فوائد المصادقة على البروتوكول الاختياري؟
بطبيعة الحال، فإن مجرد التصديق على الاتفاقيّة لا يعني أنّ الأشخاص المعوقين قد نالوا حقوقهم، فقد صادق البرلمان اللبناني على الكثير من الاتفاقيّات الحقوقية التي لم تسلك مسار التنفيذ، إلا أنّ هذه الاتفاقية تحديدًا تمنح منظمات الأشخاص المعوقين والمنظمات الحقوقية إمكانية الرصد والمساءلة ورفع الشكوى إلى الأمم المتحدة لمتابعة مسار التنفيذ. أضف إلى ذلك أن البروتوكول الاختياري، والذي شارك في إعداده الزملاء في “اتحاد المقعدين اللبنانيين” و”الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا” بين العامين 2004 و2005، يتعلق بأوضاع الأشخاص المعوقين في الظروف غير المستقرة كالحروب، وهو ما يعنينا مباشرة في منطقة كمنطقتنا، حيث تتجاوب مواده مع الدفع باتجاه تأمين الظروف المثلى للحياة الكريمة، وللدمج الاقتصادي والاجتماعي في آن.